شعار قسم مدونات

العرب وجائزة نوبل للأدب على سرير بروكوست

blogs- نوبل

منذ ظهرت جائزة نوبل للأدب ببريقها وجابت شهرتها العالم حلم بها كثير من الأدباء، وفي كل مرة تُتهم بتخطي الكتّاب العرب والمرور عليهم دون انتباه، ولهذا يعتبرونها جائزة غربية، فهي لم تغادره إلا قليلا وعلى فترات متباعدة، فلا ينتبه المتابع أنها خرجت أو رحلت بعيدا عن أوربا والولايات المتحدة حتى تعود إليها.
 

ونحن نستعد لكتابة مضمون هذا العنوان صادف أن كان الفائز بجائزة نوبل للآداب 2016 مرة أخرى اسم غربي وهو "بوب ديلان"، وإن كان لا يحسب على الأدباء أصلا تصنيفا، لذا سنطرح عدة تساؤلات في هذا السياق، نحو: كيف يقرأ العرب تجاهل الجائزة لهم؟ وهل لجنة نوبل عنصرية في أدائها مع العرب؟ هل قدم العرب أدبا يستحق نوبل؟ وهل يتركز معظم أدباء العالم في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية ويندرون في بقية أنحاء العالم؟
 

يقول الطرح الأول: إن هناك يدا تلعب في الخفاء لتضع عراقيل تحول دون وصول المرشحين العرب للفوز بالجائزة، وهو طرح محبب بالنسبة للعرب لتفادي التشكيك بمستواهم.
الطرح الثاني: لا يمتلك العرب المستوى الأدبي المناسب الذي يمكنهم من الدخول في المنافسة العالمية نتيجة التخلف الذي يعانونه، وهو طرح غالبا ما يصدر عن العالم الغربي.
 

لماذا لا يحتج العرب على جوائز العلوم والفيزياء والكيمياء بينما يحتجون على جائزة الأدب؟ ألا يعني التخلف العلمي تخلفا في الأدب والمناحي الإنسانية الجمالية؟

ونستهل بالطرح الأول، جائزة نوبل للأدب جائزة غير بريئة كما يقول صنع الله إبراهيم: "ليست هناك جوائز بريئة"، فهناك أياد تسيطر على لجنة نوبل تحول دون فوز العرب، لذلك تتهم الأكاديمية السويدية بأنها تتعمد المحاباة للصهيونية والمركزية الغربية، في حين تتجاهل دول العالم الثالث على العموم والعرب على وجه الخصوص.
 

الاعتقاد بأن جوائز نوبل معيار غير حقيقي للحكم على تفوق الكتاب: فقد فتح العقاد النار على جائزة نوبل ولجنتها وشكك في مصداقيتها من خلال كتابه جوائز الأدب العالمية، عقد فيه مقارنة بين عشرة كتاب حصلوا على جائزة نوبل للأدب وعشرة آخرين من غير الفائزين بها، وقارن بين مستوياتهم وانتهى أن غير الحاصلين عليها متفوقين بمراحل متقدمة على الفائزين بها.
 

وهناك من الغرب من يوافق رأيه فقد جاء في مقالة لفاديم كوجينوف يعقد فيها مقارنة من بداية القرن العشرين حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، حين كان عدد الحائزين بنوبل أربعين شخصا، ووضع قائمة يمينية ممثلة للحائزين على الجائزة (1901-1945)، ووضع جملة أسماء منهم "سولي برودوم – روديارد كلبنغ.. إلخ"، ووضع قائمة يسارية بأسماء الكتاب الذين عاشوا في نفس الفترة وكتبوا باللغات الأوربية ولم يمنحوا الجائزة "هنريك ابسون – مارسيل بروست – بريخت – جيمس جويس – اميل زولا – بول فاليري – فرانتس كافكا – توماس هاردي وغيرهم". وعلق على المقارنة: واليوم ومع مرور الزمن من الواضح تماما أن المذكورين في القائمة اليسارية أهم بكثير من معاصريهم المذكورين في القائمة اليمينية.

جائزة غربية وليست عالمية: يرى أصحاب هذا الطرح أن عالمية جائزة نوبل وشهرتها الواسعة تعود لمقدارها المالي بالإضافة إلى الاعتبار المعنوي، ولكنها جائزة غربية، ويرى فاديم كوجينوف "أنه خلال تسعين سنة منح الخبراء السويديون الجائزة لكاتبين آسيويين وكذلك لإفريقيين اثنين أيضا وهذا لا يمكن إلا أن يثير الاستغراب". ولذلك يدعو للإقرار صراحة "بأن جائزة نوبل ظاهرة خاصة بأوربا بما فيها الولايات المتحدة".
 

السياسة: ينظر لها أنها جائزة مرتبطة بالسياسة والتوجهات السياسية العالمية المسيطرة كقوة في المنطقة بأكملها، لذا يشككون في كل فائز بها من العرب، ويرون أنه ما فاز إلا لأنه يوافق رؤى الغرب، وهذه النظرة النقدية لجائزة نوبل للأدب وارتباطها بمحاباة الصهيونية والمصالح الغربية ليست حصرا على آراء العرب، فماركيز يقول: "سامحوني إذا قلت إنني أخجل من ارتباط اسمي بجائزة نوبل، ويتابع إنه لمن عجائب الدنيا حقا أن ينال شخص مثل بيغن"، ويقول برنارد شو: "إن جائزة نوبل جائزة مدمرة للذوق الأدبي السليم بقوله إنني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت لكنني لا أغفر له أنه اخترع جائزة نوبل".
 

العنصرية: ترى لجنة نوبل أن الإبداع ما يبدعه الأوربيون والأمريكيون لا غير، وذلك باعتمادها على التفوق الغربي على الشرق أي الشمال على الجنوب، وقد قدمت وكالة الأنباء الفرنسية "أ.ف.ب" من باريس تقريرا جاء فيه : "منذ العام 1901 مالت لجنة نوبل التي تمنح جائزة الأدب إلى مكافأة كتاب غربيين ليسوا الأفضل بالضرورة"، والمقصود بالعنصرية هنا احتقار الآخر المختلف، فقليل هم السود الذين حصلوا عليها كذلك النساء مقارنة بالرجال، كذلك العربي مقارنة بالغربي أي الجنوبي بصفة عامة يقول بيار بورديو: "إن جائزة نوبل تعكس تقلبات الذوق المسيطر".
 

أما الطرح الثاني: فيناقش جملة من الأسئلة، لماذا يحاول العرب إلباس حتى الجوائز ثوب المؤامرة؟ وما ذنب الأكاديمية السويدية أن واحدا من العرب فقط فاز بها، أليس هذا انعكاس حقيقي لحالة التخلف التي يعيشها العرب؟ لماذا لا يحتج العرب على جوائز العلوم والفيزياء والكيمياء بينما يحتجون على جائزة الأدب؟ ألا يعني التخلف العلمي تخلفا في الأدب والمناحي الإنسانية الجمالية؟ هذا بعض من فيض الأسئلة التي غالبا ما تكون دفاع المؤيدين للجائزة.
 

يعتقد البعض أن تخلف الدول العربية هو السبب الأساسي لعدم تتويج أدبائهم، وأن ما يعتمدونه من أدلة تنفي نزاهة الجائزة إنما هي مشاجب تعلق عليها تخلفها بدل السعي للتطوير والتغيير.

التفوق الغربي والتخلف العربي: ترى لجنة نوبل أن التفوق هو أساس الاختيار، وليس هناك أسباب أخرى، فالعرب ومنذ بداية القرن العشرين لم يمثلوا قوة ضاربة على أي مستوى، ومن ثم فهم في أمس الحاجة للخروج بأنفسهم أولا من إطار الاستعمار والفقر والجهل وكثير من مؤشرات التخلف، فكيف بهم أن يخدموا الإنسانية وهم على هذا النحو، وتؤكد على ذلك بالفارق الشاسع من حيث التطور والتقدم الغربي مقارنة بالعرب، فنسب الأمية ونسب القراءة في العام تبين أن العرب يرزحون تحت وطأة الأمية بنسب كبيرة تفوق التصور، ولذلك يحتاجون إلى باع من الأعوام للقضاء عليها أولا.
 

ولعل ما صرح به توفيق الحكيم خير دليل على وجوب أن ينتبه العرب أولا إلى حالهم قبل أن يتوجهوا للجائزة بالاتهامات، ويرى أن التقصير العربي هو السبب في عدم الحصول عليها "إن الشرق العربي يقف دائما من الغرب موقف السائل الذي يقول: أعطني حريتي، أعطني استقلالي، أعطني علما، أعطني أفكارا، أعطني مبادئ، بينما لو أن الشرق قال للغرب ذات مرة: خذ مني فكرة تنفعك لنظر إليه الغرب نظرة احترام واهتمام".

نفي فكرة المؤامرة: تنفي الأكاديمية السويدية أن تكون تابعة لأي سلطة خارجية وبهذا تنفي فكرة المؤامرة والمحاباة للصهيونية والمركزية الغربية الأوربية، يقول عضو الأكاديمية أوستين سيوستراند: "الأمر ليس ألعابا أولمبية، فكل حالة تناقش خلال سنوات عدة نحن مستقلون عن الدولة، ولدينا أفضل أجهزة الاستخبارات في مجال الأدب، وبالفعل كانت لجنة نوبل صائبة في خياراتها من الولايات المتحدة الأمريكية بمكافأتها فوكنر، همنغواي"، وليست اللجنة فقط من تنفي فكرة المؤامرة فنجد كتابا عربا يقفون في هذا الصف أيضا.
 

هذه أهم النقاط التي يعتمدها أصحاب الطرح الثاني لإبعاد فكرة المؤامرة والعنصرية والتحيز السياسي للجائزة، ويعتقدون أن تخلف الدول العربية هو السبب الأساسي لعدم تتويج أدبائهم، وأن ما يعتمدونه من أدلة تنفي نزاهة الجائزة إنما هي مشاجب تعلق عليها تخلفها بدل السعي للتطوير والتغيير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.