شعار قسم مدونات

الإعلام في العراق خوفٌ لأصحاب الصوت المستقل

Iraqi journalists carry a mock coffin at a symbolic funeral for Mohammed Badawi, the Baghdad bureau chief of Radio Free Iraq, in Baghdad's Jadriyah district March 23 2014. Iraqi journalists took to the streets of Baghdad on Sunday to protest the killing of a colleague by Kurdish officer over a verbal quarrel at a checkpoint, calling for a punishment of the perpetrators. REUTERS/Thaier al-Sudani (IRAQ - Tags: CIVIL UNREST POLITICS) MEDIA)
لو تكلمنا عن حقبة تاريخ الصحافة والإعلام العراقي لرأيناه مبنياً على أساس وطني يخدم الحقيقة الكاملة دون تسيّس، منذ أن انطلقت واحة الإعلام في العراق جريدة "جورنال عراق" أول جريدة عراقية وعربية.
 

صدرت في السنة الأولى من حكم الوالي داود باشا عام 1816 بغداد ببداية ظهور أول حقبة صحفية، ومنذ أن تأسس أول تلفزيون في الوطن العربي والشرق الأوسط هو تلفزيون العراق عام 1956، كانت الصحافة والإعلام تسير بخطى ثابتة نحو المهنية والثوابت الصحفية البدائية المعمول بها في البلد، وتطورت الصحافة والإعلام العراقي مع تطور الثورات والحروب التي خاضها العراق أبان حكمة السابق، واكتسبت خبرة كافية نتيجةً للظروف التي تماشت في البلاد، بعد سقوط العراق عام 2003 ودخول الغزو الأمريكي وتغيير لحكمه انقلبت الصحافة والإعلام رأساً على عقب.
 

دخلت الصحافة مدخل السياسة، مدخل التحييز، مدخل التمييز، مدخل التزييف، دخلت الصحافة طرق الوعرة للتحزّب والتشدق بطرف دون الطرف الآخر، وإغماض عين والنظر بالعين الأخرى، والتصّيد بالماء العكر، إعلام بغداد، إعلام الــ 70 مؤسسة إعلامية وصحفية، من إذاعات وصحف ومجلات وجرائد وتلفزيون ووكالات إخبارية ومحطات خاصة، أغلبها وبشكل كامل تَصُب لصالح أحزاب متنفذة اليوم في السلطة، وأغلب ولاءها إيراني بشكل واضح وصريح، يخشى الصحفي المستقل في بغداد من النظر بمواضيع تفضي الوصول إلى جملة من مفاهيم حقيقية، يخشى الصحفي المستقل "السُنّي" إن أصحّ التعبير أن ينطق الحياد في بلدٍ ضاعت فيه قيم الحياد وطغت فيه قيم الاستعباد المباشر للصحفي أو الإعلامي.
 

معظم الصحفيين والإعلاميين قد هاجروا العراق أو نزحوا إلى إقليم كردستان مُرغمين على الظروف التي عاشوها وسيعيشونها خارج أحضان الوطن، مُرغمين على تكميم الأفواه.

كثيرة هي عمليات الاغتيالات والاختطاف لدى الصحفيين والإعلاميين في بغداد وباقي المُدن العراقية، والسبب؟ هو الولوج بأخبار حقيقية تمس وجودهم من جهة أو الانتماء لطائفة أهل السُنّة لصحفي كان أم إعلامي من جهة أخرى. فيما أشار مرصد الحريات الصحفية في بغداد في تقريرٍ له بأن عدد قتلى الصحفيين والإعلاميين منذ 2003 وحتى اليوم بلغ 429 صحفياً ومساعداً فنياً، أغلب تلك الاغتيالات كانت بدوافع طائفية الهدف منها النيل من الصوت المستقل الذي يعمل بجِد في البلاد، وبعضها أيضاً قُتل بظروف غامضة.
 

وصنفت لجنة حماية الصحفيين الدولية العراق في تقريرها الذي أصدرته في كانون الأول من السنة الماضية، ثاني أخطر دولة على الصحفيين وهذا ما يُدلل على أن قتلى الصحافة والإعلام تكون بطُرق عدّة منها اغتيالاً على يد الميليشيات المتنفذة اليوم في بغداد وبعضها بالمعارك الضارية الدائرة اليوم في الجبهات ضد " تنظيم الدولة "، كل هذه المؤشرات تخلق جوٍ من عدم الطمأنينة لدى الصحفي في تأدية عمله.
 

في حقيقة الأمر أود القول بأن الطائفية الإعلامية في بغداد بالتحديد طغت على كل الاتجاهات، جرت عمليات اختطاف مُمنهج من الميليشيات الموجودة بلباس وصِفة وهيئة حكومية، والسبب كتابة رأي أو مقال أو منشور معين على مواقع التواصل الاجتماعي كانت أم بصحيفة إلكترونية ضد الحكومة وحاشيتها من أحزاب وشخصيات دينية، وهذا بحد ذاته تقييد لحرية الصحافة والإعلام لدى كل المكونات، والدليل ما رأيناه قبل أشهر ليست بالقليلة من اختطاف لأحد الصحفيات لمنشور نشرته في مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد فيه الأجهزة الأمنية في مقالها وكتبت فيه عن استهتار السلاح في المدارس ودمج الميليشيات بالأجهزة الأمنية فاستهتر المسلحون عليها واختطفوها لأنها قاومت المستهترين بكلمة، ودانت فيه في مقالها قيام ضابط في وزارة الداخلية العراقية بالاعتداء على مديرة مدرسة في جنوب العراق.
 

وسبق للصحفية أن عملت مراسلة لـ "صحيفة الشرق الأوسط " السعودية الصادرة من لندن، وتعرضت هذه الصحيفة لانتقادات واسعة ورفع دعوى قضائية ضدها، إثر نشر الصحيفة تقريراً قالت فيه لمنظمة الصحة العالمية معلومات عن "زيادة حالات الحمل غير الشرعي خلال مواسم المناسبات وإحياء المراسم الدينية في كربلاء "ونفت المنظمة تقرير الصحيفة مما زاد من سخط أغلب الشارع الشيعي لهذ الموضوع وقد اعتذرت الصحيفة لاحقا عن تقريرها، وحققوا الخاطفين معها بموضوع ما أطلقته الصحيفة من هذا التقرير، وبعدها أطلقوا سراحها بوساطة حكومية لأنها أصبحت قضية رأي عام ودعت فيها الخارجية الفرنسية، والسفارة الأمريكية في بغداد، وأغلب منظمات حقوق الإنسان، وهذا قد يُنذر بتبعاتٍ كبيرة على كاهل نفسية الصحفي السُنّي الذي يعمل في العراق وبغداد خصوصاً، لما يكتب ولما ينشر ولما يُصرح، فالخطر يلاحقه كالكابوس المُطبق.
 

معظم الصحفيين والإعلاميين قد هاجروا العراق أو نزحوا إلى إقليم كردستان مُرغمين على الظروف التي عاشوها وسيعيشونها خارج أحضان الوطن، مُرغمين على جراحهم، مرغمين على ثقافة تكميم الأفواه التي انجلت إليهم في العراق وبغداد بالتحديد، هكذا عراق اليوم الذي يحتوي السلطة الرابعة! هكذا يلبس ثوب الديمقراطية المُرقّع بأحزابه العميلة، الصحافة اندثرت في العراق إلا بعض الأصوات الشجاعة التي تنتظرُ مصيرها في أحد الأيام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.