شعار قسم مدونات

الأوراق الصفراء.. الروح الانقلابية في صفوف الإخوان المسلمين

Egyptians, making the four fingered salute associated with the Government massacre of peaceful protesters supporting the now banned Muslim Brotherhood, mark the second anniversary of Rabaa massacre, Giza, Egypt. 14 August 2015. According to reports violent clashes have broken out between protesters and police during events marking the massacre by the Egyptian security forces of at least 800 peaceful supporters of the former Muslim Brotherhood President, Mohamed Morsi, during sit-ins in the Rabaa al-Adawiya and al-Nahda squares 14 August 2013 following Morsi's ouster by the army.
إذا جاز للبعض أن يتحدث عن حالة من سنن الاستبدال تمر بجماعة الإخوان المسلمين، وأنَّ الجماعة دخلت من الناحية العملية في ذمة التاريخ.. فَلِمَ الاسترسال إذًا في مكايدة الإخوان بعضهم بعضًا، ومناكفة البعض القيادة الحالية ومطالبتها بالتنازل عن مواقعها لحساب آخرين أكثر أمانةً وأعمق وعيًا بمصالح الصف وأحرص عليه من غيرهم أو حتى المطالبة بتنَحِّي هؤلاء وهؤلاء عن المشهد واختيار فريق ثالث يقود دفة الجماعة ريثما تستقر الأمور؟! إنْ لم يكنْ ذلك انقلابًا فماذا؟ فلو تأمَّلنا المشهد الانقلابي المصري جيدًا منذ بداياته قبل 30 يونيو 2013م وتطوراته إلى ما آل إليه.. لَبَدَتْ لنا الحالة الإخوانية وكأنها مستنسخة من هذا المشهد!
 

وقد قُدِّرَ أن يرتبط خطاب الفريق المنادي إلى الإصلاح والتجديد الداخلي بخيار الثأر من قتلةِ الشهداء وتَبَنِّي خطابٍ من شأنه دغدغةِ مشاعر أصحاب الدماء.. ثُمَّ أفصح هذا الخطاب في بعض تجلياته عن حركة استهداف مَنْ ثبت بالدليل تورطهم في القتل أو تأثموا باغتصاب أعراض النساء من مجرمي قوات الشرطة أو غيرها.. وقد قُوبلَ خيار المواجهات الثأرية المسلحة منذ البداية بالرفضِ الشديد من جانب القيادات التاريخية للإخوان.. متعلِّلين بأنَّ في ذلك خروجًا على مبادئ الجماعة برغم عمق الجراح وفداحة الجرائم التي تُرْتَكَبُ ضِدَّها.. الأمر الذي زاد من تصاعد وتيرة المواجهات الإخوانية الداخلية إلى درجة المفارقة والانقسام..
 

القياديون الحاليون "لجماعة الإخوان" الذين يتهمهم البعض بالتجاوزات المالية هم أنفسهم الذين أعطوا مَنْ يتهمونهم ما هو أغلى من المال وأنفس مِنْ أيِّ مَغْنَمٍ دنيويٍّ: أعطوهم أعمارهم الطويلة التي ضحوا بها جهادًا وابتلاءً بصنوف المحن فداءً للدعوة وأبنائها.

فيما تراخت قيادات جماعة الإخوان عن اتخاذ أيِّ إجراء حاسمٍ تجاه هذه الخروقات لأعراف الجماعة وعهدتها التنظيمية، خَشيةَ أنْ يُؤخَذُ عنهم انطباعٌ بأنهم غير مقدرين مشاعر أُسرِ الشهداء وغير مُبالين بالمعتَقَلِين.. حتى تداركت الأمر لاحقًا باستصدار بعض قرارات تجميد العضوية في حق البعض أو الفصل من الجماعة في حق البعض الآخر؛ وهو قرار بدا في نظر البعض متأخِّرًا في حسم هذا الإشكال الخطير.. مِمّا زاد الأمور تتفاقمًا إلى حَدٍّ مثيرٍ للقلق الداخلي بين صفوف الجماعة إزاء ذلك الخطاب الذي بدا تأزيميًّا ولاسيما أنَّه قد اختلط بنوعٍ من الحِدَّةِ والشِّدَّةِ والاجتراء والعقوق، وإنْ كان في بعض أصحابه غيرة على الصف وإخلاصٌ له!
 

وفي تقديري، أنَّ من أبسط مظاهر هذا العقوق التنظيمي المجترئ.. تتمثل في الحيثيات التالية:
1) عشوائية النقض تحت عنوان النقد، وتبني التعميم التقزيمي تحت عنوان التقييم التقويمي.
2) غياب منطق الحكمة، والاستجابة السريعة للانفعالات مع قلة التثبُّتِ، والاحتكام للروايات التي يغلب عليها الوهم والتدليس وقلة التثبُّت.
3) استباحة بعض الخصوصيات وارتياد مناطق الحرام تارة بدافع الغيرة غير المتحسبة وتارة بدافع الغيرة غير المتأدِّبة.. وتارةً أخرى نتيجة سوء تقدير المواقف.
4) صعود موجة النقد غير البَنّاء واستخدام تعابير مفعمة بالتهكُّم والسخرية المناقضة لأبسط قواعد اللياقة والذوق السليم.
5) الاحتكام إلى الأهواء المتسلطة في غياب روح الإنصاف وغيبوبة التواصي باستعادة هذه الروح الوحدوية الواعية إلى نفوس الصف من جديد.
6) استمراء ثقافة الجيوب الإليكترونية التي تُعَدُّ تنفيسًا سلبيًّا عما يستكنَّ في قلوب البعض من قلق إزاء بعض المستجدات دون الرجوع لمصادر استقاء المعلومات الصحيحة.
7) ظهور أعراض حالة مَرَضِيَّةٍ يمكن وصفها بِـ "الإعاقة الروحية"! والتي جاءت نتيجة إهمال المسارات التربوية والدعوية والتثقيفية وغيرها..
8) الاقتصار على الإعلام في تلقي المعلومات، وغياب جهاز إعلامي إخواني في مستوى الأزمة.

ولعل وجهًا من هذا المظاهر العقوقية يرجع إلى مجموعة من الأسباب، نعرض لبعضها على النحو التالي:
إمّا أن تكون نتيجة نقص المعلومات أو تأخُّر وصولوها في الموعد المناسب الأمر الذي يزيد المشهد الداخلي توتُّرًا وارتباكا.
وإمّا لسوء تصرف بعض المحسوبين على القيادات وتكرار أخطائهم بصورة مستفزة دون إجراء تحقيق تصحيحي أو إصلاحي من جانب قيادة الجماعة.
الاستسلام لمنطق التشويش الذي لم يَعُد خافيًا هذه الأيام في أوساط الإخوان.
غلبة الروح السياسية المهيمنة بحكم الغلو في الانغماس في سجالات العمل الحزبي والمشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة بصفة خاصة.
– حساب البعض على الجماعة بخلاف الحقيقة.. ولغط المزايدات الذي لا تهدأ إيقاعاته المتماهية مع المشاعر الملتهبة أو المكتوية بغير حساب..
وإمّا للتأثر العفوي بنبرة الخطاب الإعلامي سواء المؤيد للشرعية أو المخالف لها.. تلك النبرة التي لا تخلو من الإسفاف والمغالطات والتعميم والسطحية والرعونة وانحطاط الأسلوب.. إلخ.
 

ذلك، ولم تتوقف دراما العقوق عند هذا الحَدِّ، بل راح البعضُ يتهم قيادات الجماعة الحاليين بأنهم فرطوا في دم الشهداء وباعوا القضية، وأنهم ذوو علاقة تنسيقية مع المؤسسات الأمنية في الداخل والخارج.. بل تطور الأمر إلى طَعْنِ تلك القيادات في ذمتهم المالية الإخوانية، في إشارة إلى التوظيف غير العادل وغير الشفّاف لأموال اشتراكات الإخوان، وتبديد المقدرات المالية في التنفع والتنفيع بمحاباة بعض موافقيهم ببعض الامتيازات.. وهي اتهاماتٌ غير معهودة في أوساط جماعة الإخوان المصريين من قبل، إلا في أعقاب الشقاقات الحادثة مؤخَّرًا.
 

محاولات جَرِّ جماعة الإخوان المسلمين إلى الانغماس ثانيةً في مستنقع السياسة بهذا القدر من الإفراط المنشود.. من شأنها تكريس الانطباعات السائرة بأنَّ السياسية هي الهم الأول لهذه الجماعة والأخير.

وفيما تتركز مَطالِبِ بعض المنتسبين للإخوان حول الشفافية المالية والمحاسبة بشأن ما يتعلق بكيفيات التصرف في اشتراكات الجماعة.. يستنكر البعض الآخر التعريض بسرقة هذه الاشتراكات أو تبديدها.. فالقياديون الحاليون الذين يتهمهم البعض بالتجاوزات المالية هم أنفسهم الذين أعطوا مَنْ يتهمونهم ما هو أغلى من المال وأنفس مِنْ أيِّ مَغْنَمٍ دنيويٍّ: أعطوهم أعمارهم الطويلة التي ضحوا بها جهادًا وابتلاءً بصنوف المحن فداءً للدعوة وأبنائها.. بذلوا أعمارهم من أجل تربية إخوانهم وتعويدهم على خصال الخير والبِرِّ والاستقامة، وَجَبْرِ ما قصَّرَت عنه البيوت من جوانب تربوية لتتكامل شخصية الفرد في الإخوان كي يضحى بين الناس رمزًا وَعَلَمًا.. وحتى يصير قامةً تقف في الأخير مُسَعِّرةً خَدَّها بالمساءة، للأحياء والأموات، والعقوق والتخوين والتعريض بالحرمات والسخرية المهينة في حق مَنْ بذلوا حياتهم من أجل هؤلاء رخيصة بغير مَنٍّ ولا أذى!!
 

وبرغم وجاهة منطق المطالبة بالتجديد القيادي والتنضيد اللائحي وإعادة ترتيب الصفِّ الإخواني وهيكلته.. لكنَّ ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال المبادئ والأعراف الحاكمة للجماعة، والتي توافقت عليها برغم ما طرأ عليها من خلل وما اقتضاه من حاجة إلى التعديل والتأهيل.. لكنها المبادئ على أيَّةِ حال! وهنا تنبغي الإشارة إلى أنَّ أيّةَ محاولة لتجاوز هذه المبادئ أو خرقها أو التعسف في تعديلها دون توافق، وبما يخالف الروح الإخوانية التي ألفناها عليهم منذ عرفناهم يُعَدُّ في تقديري نوعًا من إعادة إنتاج الانقلاب بصورة أخرى.
 

ولنا أن نتساءل في هذا السياق، ماذا لو جاءت الانتخابات الإخوانية المصرية الداخلية بذات الوجوه القيادية التقليدية القديمة؟ كذلك لنا أن نتساءل عن تلك الاستباقات التُّهَمِيَّةِ التي يُصدِّرها المخالفون للقيادات الحالية.. فيما لو شرع الإخوان المصريون في انتخابات المجالس الشورية.. هل يعني الإصرار على هذه الاستباقات شيئا سوى كونها محاولة انقلاب داخلية.
 

هل مُجَرَّدُ مخالفة القيادة، محسنةً كانت أم مسيئةً، يُعَدُّ مُسَوِّغًا للنيل منها أو الخروج عليها.. وهل لمجرد أنَّنا لا نريد مخالفينا ولا تروقنا رؤيتهم مبرِّرًا للانقلاب المبادئ وإثارة التوتُّر والاضطراب والفوضى.. وهل عدم نزول الجماعة عند رأي البعض، ولو كان صحيحًا، يكون مدعاةً لتسفيه مَنْ رأي بخلاف ما رأوا وتشويههم؟! إنَّ ذلك بلا شك انقلابٌ على المبادئ وخرقٌ لقواعد الاختيار التي تعارف عليها الإخوان من خلال نُظُمهم الداخلية ولوائحهم التنظيمية!
 

وفي ظِلِّ هذه السجالات المؤسفة وغير المعهودة في الصف الإخواني، لا يلامُ بعضُ المحللين حين يعتبر هذه المزايدات نوعًا من التشكيك في أهلية القاعدة الإخوانية العريضة، والتعريض بقدرتهم على الاختيار الواعي والانتخاب الحُرِّ! وهي المحاولات التي لا تبعد كثيرًا عَمّا حدث خلال فترة الدكتور مرسي وما تلاها من انقلابٍ عليه، بل وأشَدّ!
 

وعلى صعيدٍ آخر، فإنَّ هذه القاعدة العريضة التي ينظر إليها على أنها تفتقر إلى الرشد الذي يؤهلها لحسن الاختيار هي ذاتها القاعدة التي يتطلع ذلك الكيان الإخواني المخالف للقيادة الحالية إلى استثمارها ككتلة انتخابية وظهيرًا شعبيًّا وذخيرة تعبوية يمكن المراهنة عليها مستقبلاً في ميدان العمل السياسي المأمول، كما أنها بحكم العاطفة ستكون اشتراكاتها مصدر تمويل لأصحاب طموح ما بعد الإخوان المسلمين الحاليين، الذين سيتعين عليهم التبرُّع للمشروع «السياسي الإسلامي»! «من أجل إعادة إعمار مصر بعد خرابها»! وهي ذات الخصلة الاستعباطية التي يتصرف بها الانقلابيون في مصر مع العامة والدهماء!

وإذا تَسَنَّى للبعض مطالبةُ القيادة الحالية للإخوان بالرحيل، فإنَّ الانتخابات الداخلية في تقديري وشيكة، وهو إجراء من الناحية المبدئية مريحٌ نسبيًّا ومُسَكِّنًا ريثما تُسفر عنه نتيجة هذه الانتخابات.

من التأزيم إلى التقزيــم:
ولعلِّي لا اكون مُخطئًا إذا ذهبت إلى أنَّ محاولات جَرِّ جماعة الإخوان المسلمين إلى الانغماس ثانيةً في مستنقع السياسة بهذا القدر من الإفراط المنشود.. من شأنها تكريس الانطباعات السائرة بأنَّ السياسية هي الهم الأول لهذه الجماعة والأخير. وأنَّ أعينهم ما باتت ترمش عن السلطة وبريقها طرفةً واحدة..
 

ولو قُدِّرَ للجماعة أن تكون حزبًا سياسيًّا أو حركة اجتماعية أو شركة اقتصادية لَما كان لها أن تبلغه من الآفاق المترامية الأطراف.. وَلَما كَسَبَت الأنصار والمؤيدين أينما وُجِدَتْ.. وَلَما استطاعت أن تُعَبِّرَ عن تمام الفكرة الإسلامية وكمالها الوظيفي في دنيا الوجود.. ولن يكون بوسعها أن تقدّم للبشرية شيئًا كما كانت مقبل أن يتداعى أبناؤها إلى الانتحار الجماعي؛ ولعل أيَّ حركة باتجاه تسييس الجماعة فسوف يؤدي تأزيمها أو بالأحرى تقزيمها وتقطيع أوصالها.. ومُضِيِّها إلى أجلها المحتوم.. إذْ لن يكون للواعين من أبنائها وقتئذٍ، لا سمح الله، حاجةً فيها، وَمَنْ له رغبة في العمل السياسي فتسعه الأحزاب المحلية، كما أنَّ تأسيس حزب سياسي عابر للقوميات والقارات يُعَدُّ ضربًا من الأوهام والخيالات المريضة!
 

ودعوني قبل الختام أسلّط الضوء على نقطة ليس بأقل خطورةٍ مما سبق ذكره، وهي تتعلق بوضعية الإخوان المصريين في تركيا، أولئك الذين فيما يبدو قد نبتت الخلافات من بينهم؛ فإذا قُدِّرَ للانقلاب في تركيا أن ينجح، فيا تُرَى أيُّ بَلَدٍ يمكن أن يحتضن كيانًا أينما حَلَّ لا يأتِ إلا بالمشكلات لنفسه ولِمَنْ يضيفه؟!
 

ويبدو أنَّ الإخوان المصريين لم يعوا الدروس الانقلابية جيدًا، ولو قُدِّرَ لهم الاسترسال في خلافات المتشاحنة فلا نستبعد أن يضيق بهم مضيفوهم، بل وتضيق بهم الأرضُ بما رحبت، اللهم إلا إذا خضعوا لابتزاز مَنْ لا يقدِّمُ لهم خدمة اللجوء إلا بنفيس المُقابِل! وسيصبح من فكرة العودة إلى مصر، بما تحمله من مخاطرة بالحياة، أفضل خياراتهم!!
 

إنَّ مستقبل العلاقات الدولية سيجعل مصير الإخوان المصريين مجالاً للمُقامرات، ولاسيما أنَّ كثيرًا من المؤسسات اليمينية في الغرب باتت غير بعيدةٍ عن مواقع السلطة، ومعظمهم لا يفرق بين الإخوان المسلمين وداعش! ما يعني أنَّ التحديات القادمة ستكون من النوع الوجودي.. فماذا يمكن أن تضيفه محاولات الانقلاب الفكري والتنظيمي داخل صفوف الجماعة إلا مزيدًا من احتمالات الدفع بما كان يُسَمَّى جماعة المصرية على مسار الانتحار الأخير؟!
 

وإذا تَسَنَّى للبعض مطالبةُ القيادة الحالية للإخوان بالرحيل، فإنَّ الانتخابات الداخلية في تقديري وشيكة، وهو إجراء من الناحية المبدئية مريحٌ نسبيًّا ومُسَكِّنًا ريثما تُسفر عنه نتيجة هذه الانتخابات. وإذا استبق البعض النتيجة متوقِّعًا مجيء ذات الوجوه القيادية، فمن الأَوْلَى التورع عن المزايدة، وإعلان احترام اختيارات أفراد الإخوان مهما كانت! وبالنسبة لِمَنْ لهم مآخِذَ على القيادات الحالية تحت أيَّةِ حجة وجيهة ومنطقية.. فهؤلاء بلغوا من الكِبَرِ مبلغًا.. وما يلبثون حتى تمضي فيهم سنن الله فيقضون ويفضون إلى ما قدَّموا.. ويبقى الاختبار الحقيقي لأصحاب النداءات الإصلاحية.. هذا الجمل.. فماذا بوسعك أيها الجَمّالُ؟!
 

مراجعات أم تراجعات؟
والحقيقة أنَّ المراجعات التصحيحية باتَت مطلوبةً على مختلف مستويات التمثل الدعوي والاجتماعي والسياسي والفكري والثقافي.. إلخ، ولاسيما أنَّ حركة النقد والاختلاف الصفي برغم التحفظات المبدئية عليها.. لكنها لم تنشأ من فراغ.. بل توجد مشكلة حقيقية في صفوف الجماعة ولابد لها من حَلٍّ جماعي. وإنَّ أوجبَ ما تكون هذه المراجعات في ظروف التوتُّرِ الداخلي ووجود حالة جديدة على مجتمع الإخوان المسلمين من الاضطراب وعدم الانسجام في دواليب الجماعة.. تلك الحالة جعلت تُلقِي بظلالها الكثيفة على أداء قيادات الجماعة وأفرادها في كل مكانٍ وُجِدُوا فيه.. الأمر الذي يمكن أن يتسبب في خسائر كارثية تهدد مستقبل الإخوان المسلمين.
 

استاذية العالم في أدبياتِ الإخوان المسلمين لم تكن أبدًا سياسية، ولم يكن سعيهم إلى عودة الخلافة لِيُنَصَّبَ المرشدُ خليفةً للمسلمين.. إنَّ حيثيات هذه الأستاذية كانت تتمثل في تلك النخبة من جميع الثقافات.

فهل ستستطيع الجماعة الموازنة بين مطالب بعض المراقبين بوجوب طهارة الصف مِمّا عَلَقَ به من "نجاسة" السياسة، برغم أنَّ هذا الواجب في حَدِّ ذاته يمكن أن يمثل تخلِّيًا عن المسؤولية الأخلاقية فيما لو ترتَّبَ عليه انسحابٌ كُلِّيُّ من الساحة السياسية، الشاهد هنا التنزُّه نسبيًّا عن الأخطاء الجارحة لعدالة مَنْ يمارسونها؟! أم ستنخرط جماعة الإخوان المسلمين المصرية في العمل السياسي وتنسى شمولية الدعوة وعالمية الرسالة؟
 

إنَّ استاذية العالم في أدبياتِ الإخوان المسلمين لم تكن أبدًا سياسية، ولم يكن سعيهم إلى عودة الخلافة لِيُنَصَّبَ المرشدُ خليفةً للمسلمين.. إنَّ حيثيات هذه الأستاذية كانت تتمثل في تلك النخبة من جميع الثقافات والأفكار والتخصصات.. والتي كانت تسعى إلى استعادة كرسي الأستاذية وليس عرش الخلافة.. إنَّ النظم السياسية في العالم قد تغيرت وتطورت بما يجعل لفكرة الخلافة والخليفة حساباتٌ أخرى ليس هذا سياقها أو أوانها!
 

وأخِيرًا، بعض أصدقائي القدامى من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين يلومونني على خوضي المتكرر في هذا الحديث برغم بُعْدِي عنهم؟ فكانت وطنيتي المصرية شفيعًا في الجواب! ولإيماني العميق أنَّ إهدار الثروة البشرية الإخوانية هو نوعٌ من العدوان على أغلى ما تملك مصر من أسرار بقائها، وإنْ كان كُلُّ مصرِيٍّ مخلصٌ هو جزءٌ من هذه الثروة الوطنية، وهؤلاء جميعًا ينبغي أن يُسْتَثْمَروا بوعي من أجل إعادة أمل المجتمع والدولة في حياةٍ حرة كريمة من جديد!
 

وفي الأخير أقول: إنَّ رياح الإصلاح وحدها هي التي ستذهب بالأوراق الصفراء من شجرة الإخوان المسلمين.. فيعود إليها اخضرارها المعهود.. وتَسَعُ مَنْ شاءَ أنْ يستظل بظلالها الوارفة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.