أصرّت أنّها مارست أساليب تربويّة تعنيفية مختلفة مع أطفالها ابتداء من الإساءة اللفظيّة من شتم وتهديد وحرمان وانتهاء بالجسديّة من ضرب بأشكال مختلفة، ومع ذلك لم يؤثّر ذلك سلبا على أطفالها وعلى العكس فقد كانت لممارساتها هذه آثار ايجابيّة قد يغفلون عنها في وقتها ولكنّهم حين يكبرون سيدركونها فقد تخرّجوا جميعهم أطبّاء ومهندسين بعقول فذّة! فأجبتها إنّ العيادات النّفسيّة تكتظّ بحملة الشّهادات العُليا في المجتمع!
إنّ إغفال الانتباه إلى أشكال التّربية والاعتناء النّفسي التي يتلقّاها المرء منذ اللحظة الأولى التي يُقذف من رحم والدته إلى هذا العالم وعبر مراحله العمريّة المختلفة قد يودي إلى نتائج خطيرة يصعب تداركها مع الوقت.
وعلى المربّين أن يتنبّهوا إلى ضرورة بذل قُصارى الجهد في تحصين أطفالهم نفسيّا وإكسابهم المناعة النّفسيّة التي تسهم في تحقيق بنيّة نفسيّة متينة تقي من الانكسارات العاطفيّة ومخاطر الانحرافات النّفسيّة والفكريّة والعقليّة.
مع كل جلسة حواريّة تستهدف تصدّع الأفكار البالية وتبنّي أخرى تجديديّة منطقيّة واعية، تقدّم اجابات صحيحة لأسئلة الطّفل دون استخفاف وتهرّب وتململ. |
ولا يجدر بهم أنّ يعوّلوا على السّمات الشّخصيّة غير التنبئية التي يمتلكها أطفالهم والتي قد تتدرّج بين القوّة والضّعف.. الثّقة بالذّات وعدم تقديرها، الصلابة والحسّاسيّة الزّائدة.
وما يترتّب على ذلك من القابليّة النّفسيّة لتجنّب آثار الإساءة وتجاوز الخبرات المؤلمة التي تمّ معاينتها أو تبنّي القلاقل والاختلالات والاضطّرابات النّفسيّة.. إلى جانب الاستعداد الجيني الغير قابل للتنبّؤ به.. فهذا التّعويل غير المدروس قد يودي إلى نتائج قد تكون كارثيّة!
وتعدّ الممارسات التّربويّة، صراعات دائمة لا تنتهي فكلّما تحسّن أداء المربّي تغيّرت طبيعة التّحدّيات التي تواجهه تبعا للمراحل العُمريّة واختلاف خصائصها بالنّسبة للأطفال.
ولذا وجب عليه الأخذ بجدّية ضرورة مراجعة جودة الممارسات والأساليب التّربويّة المتّبعة مع أطفاله وتحسينها باستمرار، للتماشي مع طبيعة المرحلة دون عثرات تربويّة واحتقانات بين المربّين وأطفالهم.
تميّزت منهجية فرويد إلى تأكيد مفهوم الكبت الذي يخلص إلى أنّ الأحاسيس والمشاعر والأفكار التي لم يتمّ تفريغها والتّعبير عنها ومعالجتها بطريقة سليمة تظلّ دفينة لا تموت أبدا، بل تدفن حيّة وتتحرّك لاحقا في بعث ثاني على هيئة مظاهر نفسيّة وسلوكيّة وأفكار غير سويّة.
هذا هو المُراد من ضرورة التّأكيد على الأهمّيّة الحقيقيّة للتحصين النّفسي للأطفال. المناعة النّفسيّة يتمّ اكتسابها من خلال جرعات مدروسة بعنايّة من قبل المربّي.. بحيث يتضمّن نهج الإعداد النّفسي الاعتناء بالجانب 1. العاطفي و2. السّلوكي و3. الأفكار.
المناعة النّفسيّة يتمّ اكتسابها مع كل قبلة حانية ولمسة دافئة وحضن عميق، مع كل تعديل سلوكي بأساليب تربويّة ايجابيّة تضمن معالجة سليمة خالية من الكبت، وتوفير فرص نجاح يتّكؤون عليها ليتقدّموا ويستعينوا بها أمام كلّ اخفاق يواجههم في الحياة.
مع كل جلسة حواريّة تستهدف تصدّع الأفكار البالية وتبنّي أخرى تجديديّة منطقيّة واعية، تقدّم اجابات صحيحة لأسئلة الطّفل دون استخفاف وتهرّب وتململ.
ممارسات عديدة تضمن وحدة شخصيّة الطّفل، وتماسكها واختفاء أشكال كثيرة ومتنوّعة تشي بضعف الشّخصيّة وانعدام الثّقة بالذّات، وهشاشة الأطفال الانعزاليّة والعدوانيّة على حدّ سواء. ممارسات تضمن تفاعل سليم مع الذّات وفهمها وتقديرها ومع المحيط المادّي والآخرين والتّفاعل معهم على نحو يضمن إحداث توازن دقيق لأجل صحّة نفسيّة سليمة.
تلك الممارسات هي المناعة النّفسية المكتسبة، هي تلك المطاعيم المهملة للجانب النّفسي!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.