شعار قسم مدونات

المعرفة والثقافة

blogs - culture
بطبيعة الحال ليس هناك ثقافة تنتج ما يقوضها بمحض إرادتها وتحت إشرافها ومع ذلك ليس هناك عقل باستطاعته الفكاك من سلطة الثقافة إلا بالتحاور معها والنقاش مع الثقافة نفسها التي يريد الفكاك عنها.
 

فهل وجد ذلك العقل الذي ينفك جذرياً عن الثقافة ومن دون الرجوع إليها وتفحصها ونقدها.

 
بالطبع لا يوجد فالأفكار والمعارف في حالة سجال لا ينتهي مع التمركز الثقافي والاجتماعي الذي توجد فيه الثقافة التي يوجد فيها العقل وتوجد فيه وتفرض تطبيعا جاثما على المعارف وتضعها دوما نصب أعينها وفي قلب نماذجها التفسيرية والتأويلية.

لقد استطاع العقل في الازمنة الحديثة الفكاك بصورة كبيرة على المستوى الحسي والمادي من هيمنة الثقافة ومقاصلها بتطور الأدوات البصرية والحسية والتواصلية.

توجد دوما في الثقافة إمكانية لبلوغ الموضوعية واكتشاف الاخطاء والاوهام التي فيها مما يتيح قدراً من المراجعة وإعادة النظر وفقاً لأفكار ومعارف تتجاوز اللحظة التي فيها الثقافة مما يوفر الاستعداد لمراجعة النماذج التأويلية والتفسيرية وتجاوزها.

الإحالة الى انساق معرفية وثقافية أخرى لمواجهة اضطرابات وتوترات الثقافة. ارتفاع الاصوات التي تدعوا الى السير نحو الموضوعية والعلمية. تراجع الاستيهامات والتمركز حول الذات.

للتطبع قدرة هائلة على الإقصاء والسخرية وهو الذي يحدد الصالح انطلاقا من الثقافة والحق والحقيقة وعبر مفردات تكتسي طابعا تحقيريا من لدن الثقافة نفسها كمصطلحات مثل العلمانية او المادية او العقلانية في العالم الإسلامي.

التطبع كسلطة للثقافة، إن التطبع هو أداة الثقافة للردع والترهيب فهي تراقب – تتحكم – فيما يجوز معرفته وما لا يجوز معرفته فهي تحيط الإنسان بمجموعة من الاختزالات والتحديدات وتحدد له النماذج والأنساق واليقين واللايقين والحقيقة والوهم.

إن التطبع لهو الطابع المستمر فليس هناك تطبيع وطبع لان الاخير يقتضي عدم وجود الاول ويجعل من ذاته أصلا له ولكن هذا غير ممكن لأنه لا يوجد إنسان ذو طبع ذاتي منعزل وغير مكتسب فمنذ اللحظات الأولى تتكون الثقافة المكتسبة من الاسرة ثم المدرسة والجامعة والمجتمع فهذه المنابع تشكل العقل-الوعي.

إن التطبع لطالما كان ذا قوة تسكت كل الذين يحاولون الشك أو الاعتراض على انساق اليقين فهو يتحرك من العنف المادي الى الاقصاء الثقافي والسياسي كما يحدث مع الزنادقة والمنحرفين والملحدين.

إن للتطبع قدرة هائلة على الاقصاء والسخرية وهو الذي يحدد الصالح انطلاقا من الثقافة والحق والحقيقة وعبر مفردات تكتسي طابعا تحقيريا من لدن الثقافة نفسها كمصطلحات مثل العلمانية أو المادية أو العقلانية في العالم الإسلامي.

إن الثقافة تكتسب هذه القوة من رأسمال اجتماعي صارم ذو طبيعة طبقية طائفية او عشائرية او قبلية او دينية مذهبية. 

المعرفة كتفاعل مزدوج، إذا كان الحاسوب ينتج – تراكيب – رموز- معارف – فهو يخضع كلياً للعالم الخارجي الموضوعي متجرداً من كل – شعور- رغبات – ألم – متعة – فهو لا ينتج المعرفة لذاته إنما خدمة للبرمجيات التي يتوفر عليها من الخارج فكل نشاط يقوم به لا ينطلق من به من تمركزه حول الذات كما الكائن البشري الذي يقوم – دماغيا – عقليا – بذات النشاطات والعمليات إلا أنه يتوفر لديه الوعي بطبيعة العمليات التي يقوم بها بشكل تحضر فيه الذات بصور متعددة مكتسبة وفطرية وذات عمليات تتسم بالتركيب والتكرار فهو ينتج المعرفة متحركة بصورة مستمرة بين الذات – العقل – الدماغ – الالم – الحب – البغض -الجنس.

والموضوع أي كل ما يتوفر في العالم الخارجي الموضوعي – الثقافة – الدين – الطبيعة – الاساطير – إن ما ينتج إثر هذا التمازج – موضوعي – ذاتي -معقداً وبسيطاً وهو ما يسمى لاحقاً بالمعرفة الانسانية في أفق تطور وجود الكائن البشري وهو الذي باستمراريته يضمن استمرار المعرفة الإنسانية في صورة تكاملية -تجزيئية -علمية – اسطورية – في آن واحد ولكن قد تعلو إحدى هذه الأنساق في لحظة ما على الآخريات وفقاً لسياق محدد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.