نقصد بالأنا هنا جوهر الذات العربية، ونُحاول التطرق إلى السلبية والإيجابية فيها والاغتراب الذي تُعانيه، من خلال التعرض إلى طبيعة العلاقة بين الأنا العربية والآخر، لاسيما في المرحلة الحالية، فالعلاقة بين الأنا العربية والأخر في هذه المرحلة أخذت منحىً مختلفاً يأخذ شكل الصراع بين الذات العربية المشكلة للمجتمع العربي، الذي يفت في عضده هزيمة الإرادة والشعور، حتى بالرغم مما يملكه من ثرواتٍ بشرية وطبيعية، وقيم ومفاهيم، وبين الآخر الغربي الذي يملك التقدم والتكنولوجيا الحالية، والتطور والحداثة في العلم والتفكير.
وهنا يتضح لنا وجود صورتين للأنا والآخر، صورة الأنا المتراجعة وغير القادرة على التطور(السلبية) وربما المهزومة حتى، وصورة الأخر المسيطرة على التقدم والتطور(الايجابية).
مثلما تُعاني الأنا العربية من التقزيم غير المبرر فهي تُعاني كذلك من التفخيم غير المبرر والذي ينمِ عن مبالغةٍ مفرطة قد تقود إلى الهزيمة كونها لا تأخذ في جوهرها بالأسباب التي تساعد في معرفة قيمة الأنا. |
فالذات العربية تعاني من اغترابين أحدهما داخلي والآخر خارجي نتيجة فقدان الانتماء والإحساس بالمواطنة من جهة، ونتيجة لاحتكاكها بحضارات أخرى ومنها الغربية على وجه الخصوص من جهةٍ، وهذا الاغتراب ولَّد في الشخصية العربية انفصاماً جعلها أسيرة بديلين متعاكسين الأول يكرس اللجوء إلى التاريخ كمنفذ لاستعادة الثقة المفقودة. وهذا نتج عنه تضخيم الذات، والثاني يعتبر الغربي نموذجاً ومثلاً أعلى ونتج عنه السلبية في الأنا والذات.
يرى الدكتور حسن حنفي في كتابه "حصار الزمن" وخلالَ حديثهِ عن العلاقة بين الأنا والآخر، أنَّ الأنا العربية سلبية أمَّا الآخر فهو إيجابي، وثقافة الأنا في الذات العربية تقوم على العاطفة والوجدان وثقافة الآخر تقوم على العلم والإبداع، لذلك فصورة الأنا في الأنا (الذات) العربية تقوم على التقزيم والتصغير، وصورة الآخر في الأنا تقوم على التعظيم والتفخيم، وصورة الأنا في الآخر (الأنا العربية عند الآخر) تقوم على التصغير والتقزيم أيضاً.
وصورة الآخر في الأخر تقوم على التعظيم والتفخيم، (بمعنى أن صورتنا نحن العرب في نظر أنفسنا مهزومة وفي نظر الآخرين هي كذلك، وصورة الآخرين في نظرنا أنهم متفوقون وصورتهم في نظر أنفسهم متفوقين)، ومن هنا يرى الدكتور (حسن حنفي) أنَّ الذات العربية عجزت عن معرفة أناها فبقيت غير قادرة على مواكبة العصر الحديث، وحكمت على نفسها بالهزيمة قبل أن تنهزم فبقيت مهزومة.
مثلما تُعاني الأنا العربية من التقزيم غير المبرر فهي تُعاني كذلك من التفخيم غير المبرر والذي ينمِ عن مبالغةٍ مفرطة قد تقود إلى الهزيمة كونها لا تأخذ في جوهرها بالأسباب التي تساعد في معرفة قيمة الأنا، فالذات العربية ذات متضخمة، تُحب الماضي وتمجده على إطلاقه، وهي تتمحور حوله وهذا ما يكشف عن موقفها من الحضارة الغربية، فهي تقبل المنجزات الغربية ولكنها ترفض العقل الذي أنجزها. وبسبب الإخفاقات المتتالية فالذات العربية تعاني اليوم أكثر من أي وقت مضى، لذلك فإنها تلجأ إلى الماضي بقوة وتبحث في التاريخ متمسكة بماضيها القديم.
ومن الأمور الواقعية التي تعزز المفهوم المتضخم للذات العربية هنا قول الشاعر العربي قديماً: إذا بلغ الفطامُ لنا رضيعٌ تَخِرِ لهُ الجبابرُ ساجدينا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.