شعار قسم مدونات

منظمات خيرية أم أوكار للفساد

blogs - hands

التعاون والتكافل في سبيل سد حاجة المسلمين الفقراء وذوي الظروف الحياتية الصعبة شيءٌ واجب ومحمود في الشرع الحنيف، بل ومحفّز في ثنايا الكتاب ومواضع عدّة من السنة النبوية القولية والفعلية، ويصل درجة القائم بأعمال الكفالة الاقتصادية والرعاية الاجتماعية بين المسلمين مبلغ أهل الجنة مع النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- تارةً، ومبلغ الصائم القائم والمجاهد حارس الثغور تارةً أخرى، وذلك بالنصوص النبوية الشريفة الدالة صراحة على ذلك وليس هنا محل تفصيلها.

ومع جلالة قدر تلك الأعمال دينيًّا ودنيويًّا إذا أحسن أدائها وأتقن عملها إلا أننا نبقى نتساءل: ما مدى قدرة من يتصدون للقيام بتلك الأعمال الرفيعة على الوجه الأكمل والأحسن للمهمة؟ أم أنها وسيلة للترزق لا غير؟ ويزداد المرء قلقًا وفزعًا حين يرى المؤسسات الغربية أو غير الإسلامية تتمتع بكفاءة إدارية وإتقان عملي عالي المستوى -رغم تكافؤ المستوى الرأسمالي أو المركز المالي في أحايين كثيرة- ويتساءل عن مكمن الخلل ومواضع الداء؟

ويرتفع الارتباك حين تقابل المشاريع الممولة بالأموال التي تم تجميعها عن طريق الصدقات أو الزكوات من بعض المحسنين يتم صرفها لأغراض شخصية بقصد أو دون قصد، أو توظّف بصورة لا تتوافق مع أهداف صاحب الصدقة أو الزكاة أو التبرع، أو ينفّذ المشروع بكيفية غير مسؤولة ووضعية لا توفي المشروع حقه وما كان ينبغي أن يكون عليه.

طبيعة المنظمات الخيرية في العالم الإسلامي -وغيره من باقي العوالم- غير ربحية كما هو مُوضّح عادة في اللوائح الأساسية لتلك المؤسسات، واعتبرت القوانين الوطنية والدولية والمعاهدات العالمية على أنها عديمة الربح والفائدة

فهذا ما نريد أن نقف عليه قليلًا لنوضّح شيئًا مما نشعر به ونتألم له، وذلك من باب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" المأمور به شرعًا، ولم نجد وسيلة أنسب وأسهل لإيصال الرسالة إلى من تهمه، وليصغي من يظن أن ملايين الريالات والدنانير والدولارات المحولة من دول الخليج إلى إفريقيا وغيرها من القارات تنفّذ ويتم صرفها إلى طريقها المرسوم والمقرر.

لا لوم على المحسنين، طبيعة المنظمات الخيرية في العالم الإسلامي -وغيره من باقي العوالم- غير ربحية كما هو مُوضّح عادة في اللوائح الأساسية لتلك المؤسسات، واعتبرت القوانين الوطنية والدولية والمعاهدات العالمية على أنها عديمة الربح والفائدة، وبالتالي تحوز الحرية الكاملة في التحرك وممارسة النشاطات المختلفة في أي بقعة من بقاع العالم، على أن تكون سامية الرسالة وخادمة للإنسان -كائنًا من كان- لمجرد أنه إنسان وبشر بغض النظر عن لونه وجنسه وعرقه وأصله وفصله.

ومع علمنا أن رأس مال الجمعيات والمؤسسات الخيرية يأتي من المحسنين والمتبرعين والمزكين، فيجب حتمًا إيصال المبالغ المالية المستلمة إلى مستحقيها بالطريقة والكيفية التي أرادها صاحبها، ولذلك لا نلوم ولا نعاتب المحسن أو المتبرع على حسن نيته وإنفاقه من أجل الله، ولكن عمدنا أن نشير إلى أمور قد تقصم ظهر العمل الإنساني إذا لم تُعالج وبومضة سريعة جدًّا، ورغم أنني أدرك أن الإخوة القائمين على إدارة تلك المؤسسات يعرفون حق المعرفة مكامن الخلل والفساد فإنني ألفت انتباههم إلى نواحي الاعوجاج ومواضع الثلم بصفتي المشفق على مستقبل أعمالهم.

1. ناحية الإدارية والمؤسسية:
وهي الناحية الأهم والأخطر في مثل هذا العمل، فهو ليس كالأعمال الحرة الشخصية الربحية، وليس كالشركات التجارية أو غير التجارية، فهو فريد من نوعه، ومزيج بين العمل الدنيوي والأخروي، فمن العيب ألّا تجد مؤسسة خيرية ذات توجه إسلامي لا يتوفر عندها نظام مؤسسي وإداري قائم بالعلم والعدالة والرؤية والرسالة الواضحتين المفصلتين في ثنايا الواقع العملي وفق خطط موسمية مرسومة خادمة للهدف والرسالة الساميتين، ألا وهو خدمة الإنسان المكلوم أينما كان وكيفما كان.

أنتم مسؤولون أمام الله ثم أمام المحسن الذي تصدّق أو زكّى هذه الأموال، فتيقّنوا ممن تخوّلونه القيام بالمهمة، واجتهدوا في فرض الشفافية في التعامل مع غيركم بصراحة في مواجهة القضايا، مع اعتماد المؤسسية والنظام في أداء إداراتكم.

مع الأسف، تجد الفوضى واللامؤسسية واللاإدارية في التنظيمات الخيرية الإسلامية وفروعها في أنحاء القارة السمراء ونظيراتها، بل لا تصادف شفافية وسلوكًا سويًّا في التعامل معهم، مما أجبر كثيرين من أبناء الأمة المسلمة الزهد فيهم وفي أوحال الظلم والنفاق التي يتمتعون بها.

فهناك مؤسسات من الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية تقوم بأعمال خيرية في بلدان إفريقية كثيرة -وخاصة في شرق إفريقيا- عن طريق وكلاء وشركاء لهم في دول مثل: كينيا، وأوغندا، وتنزانيا، والصومال، ولكن حين يتأمل المرء تصرفاتهم وطريقة أدائهم يدرك نوعًا من اللامبالاة وعدم الانضباط في العمل الإداري والمؤسسي عندهم الذي كان من المفروض أن يتصف بمصداقية في التعامل وفعالية في الأداء وشفافية في الإدارة والعدل والمساواة تجاه الزبائن والعاملين معهم على حدّ سواء.

ونتيجة ذلك اضمحل تأثيرهم في وسط المجتمعات القاطنة في هذه المناطق، وتسبّب في تنفير الناس منهم والبعد عنهم، وهو ما يؤثر سلبًا -وقد أثّر فعلًا- على نظرة الناس تجاه الدول الداعمة والممولة لهذه المؤسسات والجمعيات، وننشد ممن يمسكون زمام الإدارة في أن يعيدوا النظر تجاه أداء فروع مؤسساتهم في هذه البلدان التي أشرت إليها سابقًا، وتشديد الرقابة الإدارية والتأكد من الأداء الإداري والمؤسسي للإدارات المحلية والفروع والشركاء، إضافة إلى تدقيق مصارف الأموال التي يصرفونها، وهل فعلًا توضع في مكانها المرغوب وتصرف بكيفيتها المرسوم لها والتي أريدت لها؟

2. ناحية الشركاء المحليين
وهو جانب في غاية الأهمية والمحورية في عمل المؤسسة الخيرية، ذلك لأنه يجسّم صورة المنظمة وجنسيتها لدى الجمهور المستهدف، والعالم اليوم يتنافس فيه الجمهور والسوق وليس رأس المال وغيره، وبالتالي ينبغى إعادة النظر بتفحص في هؤلاء الشركاء، والتحقق من جوانب عدة، أهمها:

أ‌. أداؤهم العملي وقدراتهم الإدارية وكفاءتهم في تحقيق غاية المنظمة وتحسين صورتها لدى الجمهور بكافة أطيافه وتنوعاته، فصادفنا كثيرًا منهم يمارسون العنصرية والتفرقة التعسفية تجاه جانب من الشعب الواحد، ويسخّر رأس مال ومكانة المؤسسة من أجل ذلك، ولم نعهد شجبًا أو حتى استفسارًا من الجهات الإدارية العليا، فعلمنا خلو الرقابة والمتابعة الإدارية المطلوبتين.

ب. سياسة التوظيف عندهم ومدى تطابقها وانسجامها مع قوانين العمل لدولة المقر، وهل حقًّا يوظّف الناس على أساس الكفاءة العلمية ومستوى الخبرات؟ أم أنها تقوم على الوساطة النتنة والمعرفة الشخصية ووفق هوى وإرادة الشريك والقائم بأعمال المؤسسة؟ إضافة إلى التأكد من مستوى أداء الموظفين وعلاقتهم مع الإدارة، ومدى رضاهم الوظيفي وولائهم للمؤسسة. فكل هذا وغيره يجب أن يجاب بصدق وأمانة، وإرضاء لوجه الله فإن هذا العمل -كما نشاهد- أريد به غير وجه الله وصرف عن الطريق السليم التي قصدها الشارع و أرادها الممول.

وختامًا نقول: أنتم مسؤولون أمام الله ثم أمام المحسن الذي تصدّق أو زكّى هذه الأموال، فتيقّنوا ممن تخوّلونه القيام بالمهمة، وتابعوا مشاريعكم وراقبوها بمسؤولية وأمانة، واجتهدوا في فرض الشفافية في التعامل مع غيركم بصراحة في مواجهة القضايا، مع اعتماد المؤسسية والنظام في أداء إداراتكم، والتخلص من الفوضى واللامبالاة واللامسؤولية السائدة في مؤسساتكم، فإنه عار على جبين الإسلام الذي ترفعون شعاره ومبادئه السامية.

وما زلنا نتساءل.. هل هي مؤسسات خيرية أم أوكار للفساد؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.