أعرب المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة عن أمله أن تجتمع كل الشروط بحلول الصيف القادم لتنظيم الانتخابات هناك، وشدد على أن تستوفي الانتخابات الشروط، وألا تخلق مشكلة جديدة.
شبابٌ همَّشتْهم الأنظمة، بينما قادةُ تلك الأنظمة، تكاد أن تنفجرَ كُروشُهم وأوداجُهم من التُّخمة والانتفاخ، يرفلون في الذَّهب والماس والحُلل والحُلي والديباج، يقطنون في فِلَلٍ ومزارع ومنازل ومساكن، تَسَع الواحدة منها عشرات العائلات البائسة، قادة الأوطان يمتصُّون ثروةَ الأوطان، يتنقلون من دولة إلى دولة، ومن منتجع إلى منتجع، ومن سهرةٍ حمراءَ إلى سهرة شيطانيةٍ حمراءَ أخرى، ومن قرية سياحية إلى أفخمَ منها، ومن جزيرة مُجون إلى أسوأ منها، ومن يَختٍ إلى يختٍ أكثرَ منه ترَفا، يتنقلون بأفخم وأحدث وأسرع وأرقى وأفسح وسائل المواصلات بَرًّا وبحرا وجوا.
شبابُنا يَرصدون كلَّ ذلك، يشاهدون هذا الغَبْن، ويعانون تَبِعات هذا الظلم، فيَتَملَّكُهم الغضبُ من كل شيء، وعلى كل شيء، يُصبحون ويُمسون وهُم يتجرَّعون مَرارة الغبن، يأكلهم الاحتقان، يبحثون عن مَخرج، عن مكانة، عن دور، عن شيء ما يُشعرُهم بأهميتهم، ومكانتهم، وآدميتهم، وبَشَريتهم، وإنسانيتهم، ولا مُجيب.

كيف لا تتوقع تلك الأنظمةُ الإرهابيةُ الديكتاتورية الفاشية أن تصنع من ضحاياها، أو مِن ذوي الضحايا، إرهابيين، كيف لا تتوقع تلك الأنظمة أن تُنتِج ممارساتُها الإرهابيةُ إرهابيين، كيف تتوقع أن تصمت من اُغتصبت، أو يَصمت من أُغتصب، هم أو ذووها أو ذَوُوه، كيف تتوقع أن يصمت أهلُ من ذُبح، أو قُتل، أو شُنق، أو اُغتيل غدرا وظُلما، وبدم بارد؟! كيف يحق لتلك الأنظمة الفاشية أو الحكومات الفاسدة أن تحتجَّ أصلا على الإرهاب؟! أو أن تتصدى لمحاربة الإرهاب بينما هي مَن بَذَر بَذرةَ الإرهاب وهي من صنع الإرهاب!
كيف لا يَتبنَّى شبابنا الإرهاب، ونحن مسلمون في مجتمع مسلم يسخر فيه -في بعض تلك المجتمعات- من الإسلام، ومن القرآن، ومن معتقداتا وشعائرنا ومقدساتنا، مجتمع مسلم يُتطاول فيه على الله، ويُهان فيه سيد ولد آدم، عَلنا ورسمياً وعلى صفحات الجرائد، والمَجلات، والصُّحف، والكتب، والمطويات، والمنشورات، والإذاعات المسموعة، والفضائيات، وعلى ألسنة رؤساء دول، ووزراء، وسفراء، وقادة، ونخب، ومسؤولين، وكُتَّاب، وصحافيين، وشعراء، ومثقفين، ومبعوثين، ودكاترة، وأطباء من أبناء جلدتنا. حتى الحيوانات قابلة للاستفزاز، فكيف ببَشر تُهان مُقدساتهم بين ظهرانيهم وعلى مرأى ومسمع منهم، بسُخرية وتهكُم ونظرةٍ دُونية واستهزاء، لا نسمعه حتى من أهل غيرِ الملة.

التغاضي عن إرهاب الدولة -إذا- والتغافل عنه، بل تشريعُه وقَبولُه وتقنينه، والتغاضي عن جرائم رجال الأمن والبوليس والمخابرات، ومعاملة الإنسان الذي كرَّمه الله سبحانه وتعالى، معاملةَ الحشرات والجرذان والخنازير والفئران، وفسادُ وغباءُ الساسة والحكومات والمسؤولين، والكيلُ بأكثر من مكيال، والظلمُ بكافة أنماطه، بما في ذلك الظلمُ الاجتماعي، والظلم السياسي، والظلم الاقتصادي، والفقر، وسرقة قوت الناس، والاستيلاء على حقوقهم، وحكم العسكر، والاستبداد، والتطاول على مقدسات الناس، والمجازر البشعة، هي الأرحام الخبيثة التي وُلد منها الإرهاب، إرهاب الأفراد، وإرهاب المنظمات، وإرهاب الجماعات.
القضاء على الإرهاب -إذا- لا يتم إلا باستئصال هذه الأرحام، ولا يمكن القضاء على الإرهاب بالإرهاب، فذلك عَبَث من جهة، وحُلول ترقيعية مؤقتة تلفيقية من جهة أخرى، وزيادة في إراقة الدماء من جهة ثالثة، واسألوا العراق، وأفغانستان، وغيرها من الدول إن شئتم. محاربةُ إرهاب الجماعات والتنظيمات والعصابات بإرهاب الدولة هو في الواقع ترسيخٌ للإرهاب.
القضاء على الإرهاب، وإلى الأبد- بإذن الله- يَتم برفع الظلم عن الناس، بالمساواة، برَدِّ الحقوق، بالعدل، بتأمين وحفظ وحماية حقوق الإنسان وحرياته، بتجريم إرهاب الدولة قانونيا ودوليا، بترسيخ حرية الإنسان، وحفظ كرامته كبَشر، بالحوار، بالتربية، بالتعليم، بالإقناع، بالتصدي للمجازر ضد عِرق أو جِنس أو دِين بعينه، بحقن الدماء، باحترام مقدسات الناس وشعائرهم ومعتقداتهم، وعدم التطاول على آلهتم ونبيهم وكِتابهم المقدس. بمحاربة احتلال القوي للضعيف، فدَعمُ المُحتل والظالم والجلَّاد ضد الضحية، يدفع بالضحايا إلى عِشقِ وتَبنِّي وممارسة الإرهاب، ليس ذلك فحسب، بل سيُسمون الإرهاب قتالاً من أجل العدل والحرية ورفعِ الظلم والمساواة.
العنف، والظلم، والسرقة، والفقر، والفساد، واحتقار البشر، وتهميش الناس، والقمع والاستبداد والاستعباد من أوسع الأبواب التي وَلج منها الإرهاب إلى مجتمعاتنا، فأَغلِقوا هذه الأبوابَ إن أردتم أن تقطعوا دابِرَ الإرهاب، وإلا فاحصُدوا ثمار ما بذرتم، فالإنسان لا يولَد إرهابيا.