شعار قسم مدونات

رفقا بحماس يا ثوارنا في سوريا

Blogs- hamas

مع كل تصريحٍ لحركة حماس يتعلق بأحد الأطراف المتورطة في الوحل السوري -والحديث في الأغلب عن حزب الله- تخرج ردات الفعل المتباينة والملخصة للمشهد المتشابك، معارضٌ سوري يشتم حماس لوقوفها مع حزبٍ يراه محتلًا، وآخر ناشطٌ شلّت السياسة قدرته على الربط والتفكير فتجرّع مرارةً كتمها في صدره، وموالي للنظام السوري ينتشي فرحًا مبشرًا بعودةٍ قريبةٍ لحركة المقاومة الأكبر في فلسطين إلى حضن نظام "المقاومة والممانعة" حسب اعتقاده.

 

تختلط الصورة حتى في الجسد الواحد فحمساوي هنا يلعن روح الأسد ويعاتب حركته، وآخر يهزه معاتبًا وموبخًا استعجاله في الحكم، وهناك في مكانٍ غير بعيد يساري طغت صور "السيد" وكلماته وأغاني تبجيله على حياته فلازمته في صغائر أموره واتفق بذا مع رفاقه، لكنها حماس فرقتهم! أحدهم يرّحب بعودتها إلى نظام "المقاومة" فيقاطعه آخر باستحالة هذا إلا باعتذارها إلى حامل لواء المقاومة وحامي الحمى العربية سيداته المفدّى! المشترك الوحيد وسط المتغيرات المهولة الآنفة الذكر هي حماس! كلمة منها تثير زوبعة، الكل ينتظر تصريحًا منها! بالطبع ليس المقصود هنا التضخيم من شأن حماس بل هي محاولةٌ لفهم ظرفٍ متشابه وإن كان يفصله ثلاثين عامًا.

 

لقد كانت حماس وحيدةً مضطهدة وكان ابناؤها يرجون خبرًا عنها في الإعلام حتى لو كان ذمًأ! لكن الحركة وبفترةٍ وجيزة غرست ركائزها عميقًا في المجتمع الفلسطيني، مضت الحركة فكانت قوية صلبة حازمة واضحة الهدف والرؤية تمضي وفق استراتيجية واضحة لا وفق ردود الأفعال، لقد تعلمت الحركة من دروس الثورات والحركات التحررية الفلسطينية فبلورت رؤيتها وصاغت مشروعها وها هي اليوم القوة التي لا يمكن تجاوزها، لكنها لم تصل إلى هذا إلا لأنها حزمت في مواطن الحزم وهادنت في الميادين التي لا تصلح إلا لذلك.

 
اليوم الحال في سوريا يحتاج لحركة اصلاحٍ شاملة ولا نبالغ إن قلنا بأن الثورة اليوم بحاجة إلى ثورة داخلية تجتثُ ما علق بها من مندسين وتجار الثورات والمتسلقين ولإعادة النفس الثوري إلى الشارع السوري، إنّ الإصلاح الداخلي أولى بإلف مرة من إلقاء اللوم على الاخرين لتصريح هنا أو زيارةٍ هناك أو انتظار العطف من العالم. إنّ التجربة الفلسطينية لم تتطور إلا بعد أن فهمت الطريق الأوحد للنصر "أعلمت أنّ هذا الكون لا يهتم بالشحاذ والبكاء؟ أعلمت أنّ هذا الكون بارك من يرد القيد؟!"
لقد فهم الفلسطيني أنّ البكاء والنحيب لن يردع قاتل ولن يحرك إنسانية مجرم ولن يُسكت أزيز الرصاص، لقد أيقن الفلسطيني أنّ الرصاص يخرسه الرصاص.

 

اليوم في أرض الثورة تبدأ المعركة وتُوقف دون أن يعلم أبطالها لما بدأت وكيف توقفت، يخسر الثوار كبريات مدنهم وفي الآن ذاته يقتتلون فيما بينهم ويبغي بعضهم على بعض!
اليوم في أرض الثورة تبدأ المعركة وتُوقف دون أن يعلم أبطالها لما بدأت وكيف توقفت، يخسر الثوار كبريات مدنهم وفي الآن ذاته يقتتلون فيما بينهم ويبغي بعضهم على بعض!
 

إنّ مشكلة سوريا ليست في السلاح ولا في الرجال المستعدون للثورة بل بالوعي الذي يأبى أن يتشكل، الوعي يعني الانتصار الحتمي للثورة مهما بلغت التحديات، كان الوعي موجودًا بدرجة جيدة في بداية الثورة ولكن حاملي هذا الوعي كانوا الهدف الأول لمن يريد اجتثاث الثورة، لقد حققت الثورة في عامي 2012 و 2013 انجازات مهولة لو استمرت بنفس الوتيرة لربما كنا اليوم نتحدث عن اقتراب انتخاب الرئيس الثاني لسوريا بعد الثورة لكّن استهداف المخلصين كان هدفه الوصول إلى الحال الذي نعيشه اليوم.

 
اليوم في أرض الثورة تبدأ المعركة وتُوقف دون أن يعلم أبطالها لما بدأت وكيف توقفت، يخسر الثوار كبريات مدنهم وفي الآن ذاته يقتتلون فيما بينهم ويبغي بعضهم على بعض! قتالهم بلا رؤية ولا استراتيجية واضحة ولا برنامج ثوري مقنع، راهن "بعضهم" على امريكيا والغرب ولا زال وراهن بعضهم على عُربٍ دمروا ثورتهم وشتتوا جمعهم، فكان يُنازع الثوري في قراره أمران إما الخضوع لأمريكيا وعُربٍ بعضهم أفجر من طواغيتهم وبالتالي خسارة تعاطف الشعوب وإما كسب الشعوب وخسارة أمريكيا ومن والاها، لكنّ الكارثة أن الثائر السوري لم يكسب الشعوب ولم يفلح في تحصيل الدعم الحقيقي، الأمر الأبرز الذي نجحت به المعارضة هو صناعة الأعداء للأسف، تاجرت بمن باعها وخذلت من تاجر بها!

 
لقد غضب الكثير من حماس ووصل الحال أن شتمها البعض من معارضة سوريا لمواقفها الداعمة لحزب الله في عدائه مع اسرائيل، قبل الخوض في هذا لا بد من تأكيد المؤكد من خسارة حماس للكثير لوقوفها إلى جانب الشعب السوري الذي اتفق على دعمه جماهيرُ الحركة قبل القيادة، لن أتحدث هنا عن موقف قيادة الحركة فالقاعدة الجماهيرية لحماس خطفت الأضواء وتفاعلت مع الثورة السورية ربما أكثر مما تفاعل البعض من أهلها، كانت قذائف النظام تمزق أفئدة الفلسطينيين قبل أن تصل إلى أجساد أطفال سوريا كانت أخبار المعارك في حلب وحمص من ذي قبل وكل معارك سوريا يتابعها الفلسطيني وكأنها في غزة وبيت حانون وجنين!

 

لو يعلم ثوار سوريا حرقة الفلسطيني على الثورة لعملوا المستحيل لانتصارها كرامةً للدموع التي ذُرفت بصدق
لو يعلم ثوار سوريا حرقة الفلسطيني على الثورة لعملوا المستحيل لانتصارها كرامةً للدموع التي ذُرفت بصدق
 

لا زلت أذكر منظرًا مهولًا في جامعة النجاح الوطنية -احدى كبريات الجامعات الفلسطينية- عندما كان للذراع الطلابي لحماس مهرجانًا لتخريح الطلبة وكان في الحفل علمٌ للثورة السورية، لا أبالغ إن قلت أنّ شباب حماس طوال الحفل كانوا يأتون لالتقاط الصور مع العلم كانوا ينظرون إليه وكأنهم يرون من خلاله حمزة الخطيب ويسمعون هُتاف القاشوش، كانت أصوات المُعذَبين من سجون تدمر وصدنايا يسمعها جموع الكتلة الاسلامية، كان أحدهم يحمل العلم وكأنه يحتضن الرقة! كانوا يواسون درعا ويصرخون لسقوط القصير! سمعتهم يقولون "يا حمص حنا معاكي للموت" خُيّلَ إليّ أنّ الساروت من يهتف!

 
لكن جرح فلسطين ليس بالأقل وجعًا، تربط جراحاتها وتقاوم ويتأمر العرب عليها ولا تساوم، يُحاصرونها يعادونها يتآمرون عليها لا يتركون سبيلًا لاجتثاثها ومع هذا تترك متنفسها الأقوى والأضمن من أجل الإنسانية المذبوحة في سوريا، ولأنها تعلم أنّ الإنسانية أقوى من لغة السياسة والمصالح لكنّ الحال لم يعد ذاته والسهم اقترب من نحر القضية! وضعفُ من تاجرت حماس بهم تجاوز حد الاستيعاب.

 
تعاملت حماس مع السيسي كأمرٍ واقع! إنّ هذه النقطة تحديدًا كفيلةٌ للتوقف عندها دهرًا من الزمن لاستيعاب واقعٍ أوشك على تصفية القضية الفلسطينية، فكيف بعد هذا يلوم السوري حماس! لقد تعاملت الحركة بإنسانية لا يتصورها عقل بالرغم من أنّ المنطق -إن اغفلنا الجانب الإنساني- يفرض بشكلٍ قاطع أن تترك حماس مناصرة الثورة لأنها لم تجلب لها إلا الصعوبات فخصوم الثورة هم رئة حماس بالمقابل من يتاجر بهم معارضة سوريا هم في معظمهم لا ينفكون يخططون لضرب حماس! وليت المعارضة تعلم أنّ حتى فشلها بسبب من "يدعمونها" زورًا وبهتانًا.

 
من الضروري أن يوقن ثوار سوريا أن الأمة على رباطٍ كلٌ في مكانه وإن أي خللٍ في العِقد هو بالضرورة ضررٌ للبقية وكل نصرٍ هو نصرٌ للبقية، وأنّ الأمور تُقدر بمقاديرها فإن كان أمامك غرقى ولا شيء بيدك لتنقذهم ومع هذا تسرعت لإنقاذهم وغرقت معهم تكون هنا إنسانيًا لكنك لا تُعفى من المسؤولية بالمقابل لو ذهبت وأحضرت وسيلة لإنقاذهم وكان أحدهم قد توفي تكون هنا أكثر إنسانية بالرغم أن أحدهم غرق.

 
لو يعلم ثوار سوريا حرقة الفلسطيني على الثورة لعملوا المستحيل لانتصارها كرامةً للدموع التي ذُرفت بصدق، إن وهم الحدود لم يتمكن من الفلسطيني، فها هو الشباب الفلسطيني يرد ل "جبلة" السورية الثائر ثوار والشهيد شهداء فتشابهت المواقف وتوحد الاسم على "القسام".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.