شعار قسم مدونات

تحليل الثورة عند جورج أورويل

Blogs- Orwell

تسير رواية "مزرعة الحيوان" لمؤلفيها جورج أورويل في نفس الخط الروائي للكاتب، والذي اعتاد نقذ الأنظمة السياسية، ومن خلال الرواية يتضح أن جورج ينتقد الثورة الروسية لسنة 1917. ويبدو أن أفكاره أورويل تُعد بمثابة مداخيل لفهم عالم السياسة، والجميل فيها أنها تنطلق من واقعه لتَنفتح على العالمية في تحليله الروائي، ولهذا نجد معظم رواياته يُمكن إسقاطها على عدة مجتمعات، خصوصا دول العالم الثالث، وهذا ينطبق على رواية 1984. هكذا إذن يُنظّر جورج أورويل لعالم السياسة، هذا العالم الذي تحكمه قواعد تستعصي على الفهم، ويحوم حولها الغموض، هذا الأخير يحاول أورويل توضيحه في مجمل أعماله الروائية، لكي يضع نصب عيني القارئ ما يختبئ في عالم السياسة.

في رواية "مزرعة الحيوان" يحاول أورويل أن يعطي تحليلا واقعيا للثورة، حيث أنها يمكن أن تؤدي إلى تغيير نظام الحكم، لكن قد تغيره إلى أسوأ مما هو عليه، خصوصا عندما لا تكون هناك ضوابط وقواعد ومبادئ تحدد مسار هذه الثورة، الشيء الذي يُعجِّل بفشل الأهداف المتواخاة منها، ويصبح الواقع أسوأ من ذلك الذي كانت تهدف إلى تغييره.

لقد اتخذ جورج في من الحيوانات شخصيات مناسبة لروايته، إذ أنه بعد الثورة أصبح لكل حيوان وظيفة خاصة، ونمط خاص في العيش، وهذا الوضع لا يلقى رضا بعض الحيوانات، هذه الفئة هي التي يُصطلح عليها بالثوار، ويكون حينئذ الموت هو المصير الذي ينتظر هؤلاء، لأن مخالفة النظام يمكن أن يجني على صاحبه ما لا يحمد عقباه، وبالتالي فالمسائل تتجاوز ما يتجلى لنا في الواقع، لتصبح حرية الإنسان بدون معنى في عالم يدّعي الديمقراطية. 

الثورة التي تأتي بدون تخطيط مسبق، يمكن أن تكون عواقبها وخيمة. كما أن الثقة العمياء في القائد بمثابة استسلام وخضوع له

انطلق جورج أورويل في روايته من مزرعة تعود ملكيتها لإنسان، وله مجموعة من الحيوانات في هذه المزرعة؛ خنازير، حمير، دجاج، كلاب، بط، …، وحدث أن حاول صاحب المزرعة في أحد الأيام أن يُعنّف بعض الحيوانات نتيجة عمل غير لائق صدَر من هذه الحيوانات، فأخد السوط وحاول ضربها، لكنها لم تتقبل ذلك فثارت ضده، وقامت بطرده من المزرعة. وحينئذ تحررت هذه الحيوانات من السلطة البشرية، وأصبحت تحكم نفسها بنفسها.

 

وهذا الوضع يستلزم وجود تنظيم، والتنظيم لن يتأتى إلا بوجود قائد يحدد ويقرر ما يجب أن يكون، وبما أن هذه المسألة جديدة على الحيوانات فقد قررت الاحتكام إلى الخنازير التي كانت تبدو لهم أكثر ذكاءا من البقية، ولهذا تكفّل خنزيران بذلك، ثم بدأ الاتفاق على مجموعة من القوانين والبنود، ومن هنا بدأت الأوضاع تتحسن وأصبحت منتظمة بقيادة الخنازير، مع أخد آراء بعض الحيوانات الأخرى بعين الاعتبار. وحدث أن حاول صاحب المزرعة العودة لاسترجاع مزرعته، وأحضر العُدّة اللازمة، لكن ذلك باء بالفشل بعد أن وضعت الحيوانات خطة محكمة لهذا الهجوم.

 

وهكذا بدأت القوانين تصبح أكثر صرامة وأكثر تنظيما بقيادة الخنزيرين، لكن هذين الآخرين كانت لديهما أهداف أخرى، إذ أن كل واحد منهما يحاول إبراز جدارته بالقيادة على حساب الآخر، فكان أن اقترح أحدهما بناء طاحونة يمكن أن تساهم في إنتاج الكثير مع جهد قليل، ولقي ذلك اعتراضاً من الخنزير الآخر، وهذا الآخر كان يعد العدة للقضاء على الخنزير الذي اقترح بناء الطاحونة، وقد كان يخطط لذلك من قبل، إذ تمكن من تربية مجموعة من الكلاب في مكان خاص، حتى جاء اليوم الذي سوف يتم فيه التصويت بخصوص بناء الطاحونة، واتفق الخنزير الثاني مع الكلاب من أجل مهاجمة الخنزير الأول، لكن الخنزير تمكن من الهرب.

  

رواية مزرعة الحيوانات مليئة بالدروس المتعلقة بما يدور في عالم السياسة، وخصوصا في الجانب المتعلق بالثورة
رواية مزرعة الحيوانات مليئة بالدروس المتعلقة بما يدور في عالم السياسة، وخصوصا في الجانب المتعلق بالثورة
  

وهذا ما طرح مجموعة من التساؤلات لدى بقية الحيوانات حول هذا المشهد، ولماذا رفض الخنزير الثاني بناء الطاحونة، ويبدو أن هذا الخنزير كان أكثر ذكاء، لأن هدفه هو إفساد سمعة الخنزير الهارب بأي وجه كان. ثم بعد ذلك اقترح هو نفسه بناء هذه الطاحونة، وأخبرهم بأن الخنزير الهارب هو الذي سرق منه الخطة. وبعد أن تم البدء في بناء الطاحونة، وجدوها منهارة في صباح أحد الأيام، فكان من القائد إلا أن ألصق التهمة بالخنزير الهارب، ممّا بدأ يقوي سلطة الخنزير الذي أصبح قائدا ورئيسا، وتلك الكلاب التي تمكن من تربيتها لا تفارقه وتدافع عنه.

 

وبعد أن تمكنوا من إعادة بناء الطاحونة شن البشر هجوما جديدا عليهم فتم تدمير الطاحونة، ولم تستطيع الحيوانات مواجهتهم إلا بعد أن شاهدوا طاحونتاهم منهارة، وحينها تمكنوا من الهجوم على البشر وتمكنوا من طردهم بعيدا، وهذا الفعل جعلهم يحسون بالانتصار مجددا، ونسوا الطاحونة المنهارة، لكن الخنزير القائد لم ينسى ذلك، فأمرهم ببنائها من جديد رغم الظروف المناخية القاسية، ورغم ظروف العيش التي أصبحت صعبة في المزرعة، وقد تمكن القائد من تشجيعهم على بناء الطاحونة بطريقة أفضل من الأولى.

  

وهذا أعطى تقديرا واحتراما أكثر للخنزير القائد، وتم بناء الطاحونة، وتغيرت مجموعة من القواعد التي تم الاتفاق حولها، وكلها كانت تسير في مصلحة القائد، وهذا الآخر تمكن من العيش بطريقة مختلفة عن الحيوانات، وأصبح يتعامل مع البشر عن طريق وسيط خاص، ويتم قبول كل مقترحاته بدون نقاش، وهكذا وجدت الحيوانات نفسها تحت قائد جديد، أكثر قوة وديكتاتورية من صاحب المزرعة، وتلك هي نتيجة الثورة الفاشلة، والتي لا تحكمها ضوابط وأهداف محددة.

رواية مزرعة الحيوانات مليئة بالدروس المتعلقة بما يدور في عالم السياسة، وخصوصا في الجانب المتعلق بالثورة، ومن خلالها يدرك القارئ أن المسائل لا تسير بالشكل الذي تظهر عليه، بل هناك خبايا تتحكم في زمام الأمور. ويستنتج القارئ أن الثورة التي تأتي بدون تخطيط مسبق، يمكن أن تكون عواقبها وخيمة. كما أن الثقة العمياء في القائد بمثابة استسلام وخضوع له.

نستخلص من رواية مزرعة الحيوان أنها تناقش مسألة الديمقراطية من زاوية أخرى، ويطرح أورويل هذا المفهوم على أرض الواقع، محاولا التأكيد على غيابه رغم الادعاءات، وأن المصالح هي التي تحكم وتحدد ما يجب أن يكون، وهنا تتجلى الديكتاتورية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.