شعار قسم مدونات

الفريق والمشير وإحداث التغيير

Blogs- أحمد شفيق

أعلن رئيس الوزراء ووزير الطيران المدني الأسبق الفريق أحمد شفيق ترشحه في انتخابات الرئاسة 2018. يذكرنا ذلك بترشحه سابقا في عام 2012 أمام مرشح الإخوان المعزول محمد مرسي. يعتبر الانطباع الأول لدى أغلبية التيار المعارض حول فكرة ترشح شفيق مضحكا مبكيا أما بالنسبة للتيار المؤيد للرئيس الحالي فانقسم حول تأييد ترشحه أو التمسك بالرئيس الحالي للبلاد.

 
لن أقارن في هذا المقال بين المرشحين كما يظن البعض ولكن هل فعلا مصر تحتاج إلى رئيس جديد لكي تنهض وتتقدم؟ لقد استبدلنا نصف دستة من الرؤساء ذوي الأيديولوجيات المختلفة خلال الستة أعوام السابقة فهل أحدث أيا منهم أدنى فرق يذكر؟ يقول أينشتاين أن الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار حقيقة مختلفة. فهل حقا إذا افترضنا نزاهة العملية الانتخابية وافترضنا أن كل المرشحين يتمتعون بالصدق والشفافية والرغبة الحقيقية في التغيير فهل ستختلف النتيجة إذا ربح شفيق أو السيسي أو حتى إذا ربح خالد علي؟
  
ما أبهرني حقا أن بعض قوى المعارضة أظهرت جدية في دعم الفريق شفيق. أليس هذا هو شفيق الذي اتهمتموه بالفساد وبالتورط في قضية موقعة الجمل؟ أصار الآن ملاكا بجناحين؟ يردد بعض المؤيدين والمعارضين مصطلح "أحسن الوحشين"، ألم يكن مرسي "أحسن الوحشين"؟ ألم يكن المشير السيسي نفسه "أحسن الوحشين" عندما تم تعيينه وزيرا للدفاع ودافع عنه الإخوان بشراسة شديدة حينها قبل أن يتأزم الوضع بين الإخوان والمؤسسة العسكرية؟

 

لقد أثبتت السنوات القليلة الماضية أن عصر الليمون لا يجدي ولا ينفع. لماذا نفضل دائما وأبدا أن نرضى بنصف الحلول وربع الحلول؟ لماذا لا نأمل بحل شامل وكامل ينهي هذه الفوضى التي نعيش بها وننام ليلا آملين في زوالها حتى لو كان حلا صعبا؟ هذه الفوضى التي يردد المحللون السياسيون كالببغائات أنها مرحلة "عنق الزجاجة" ثم اكتشفنا بعدها أن هذه المرحلة بلا نهاية أو أننا نخرج من الزجاجة لنكتشف وجودنا بزجاجة أكبر حجما وأصعب خروجا.
 

إن الفساد الممتلئة به مؤسسات دولتنا لم يأمن إلا عندما وجد شعبا منبطحا راضيا على استعداد أن يأخذ لقمة عيشه في مقابل استمرار الفسدة
إن الفساد الممتلئة به مؤسسات دولتنا لم يأمن إلا عندما وجد شعبا منبطحا راضيا على استعداد أن يأخذ لقمة عيشه في مقابل استمرار الفسدة
 

كررت كثيرا ولازلت أكرر أن تغيير السائق لا يصلح أبدا السيارة العاطلة، المشكلة ليست في المفاضلة بين شفيق والسيسي وخالد علي ومبارك ومرسي وبقية الرؤساء والمرشحين، المشكلة في أننا نصنع عرائس نلقي عليها بكافة مشاكلنا ونعتقد أنه باستبدال هذه العرائس أو بزوالها ستتحول البلاد إلى جنة وردية. أغلبية الشعب يتخيل رئيس الجمهورية ساحراً بعصا سحرية يميلها يمينا ويسارا فتتحسن الأوضاع ويهنأ البلاد والعباد.

 

لا تبتسم عزيزي السيساوي فقد كان هذا التخيل موجودا لديك في فترة حكم مرسي، ولا تبتسموا أنتم أيضا يا مؤيدي مرسي فقد هاجمتم الحكومة الحالية بناء على هذا التخيل أيضا وبالتأكيد هناك نقاط حقيقية تستحق المهاجمة ولكني أتحدث عن نقطة محددة وهي أن تحقيق النهضة الاقتصادية أو التنموية لا يقع على عاتق الرئيس وحده، لا أتحدث في هذا المقال عن كافة النقاط الأخرى كالحريات والحقوق.

لو دعمت المعارضة الفريق أحمد شفيق أو المحامي خالد علي ففي كلا الحالتين هذا لا يدل إلا أن المعارضة لازالت طفل صغير بطموحات كبيرة. لن يحل مشاكل مصر أي رئيس مهما كانت أيديولوجيته السياسية أو اختلافه عن غيره، حل مشاكل مصر لا يكون إلا بإنهاء الفساد المتفشي في كافة المؤسسات بداية من مؤسسة الإعلام مرورا بمؤسسة القضاء والداخلية والتموين وإنتهاء بالمؤسسة العسكرية، مؤسسات الدولة ممتلئة بالسرقة والمحسوبية والواسطة وكافة أشكال وأنواع الفساد التي تحول دون تحقيق آية نوع من التقدم أو النهضة.

 

الحل هو التطهير والتطهير لن يحدث إلا بعد ارتفاع نسبة الوعي لدى كمية لا بأس بها من الشعب المصري ليصبح لدينا استراتيجية واضحة لمثل ذلك التطهير والوعي لن يتم بناءه لولا التعليم والثقافة وبما أن مصرنا الجريحة تحمل المركز قبل الأخير في التعليم. فالحل يكمن في الجهود الذاتية أو المستقلة عن الحكومة، فلنشارك في جمعيات التنمية المستدامة، فلنشارك في محو الأمية، فلنشارك في آية نشاط يهدف لنشر التوعية لدى الناس لنرتفع بمستواهم في إدراك المشاكل المحيطة بهم وعندها سيحدث التغيير بشكل تلقائي. مثال واحد على تلك الفكرة هو مدى انحطاط مؤسسة الإعلام حيث يقول جوبلز "أعطني شعبا بلا وعي أعطيك إعلاما بلا ضمير".

 

إن الفساد الممتلئة به مؤسسات دولتنا لم يأمن إلا عندما وجد شعبا منبطحا راضيا على استعداد أن يأخذ لقمة عيشه في مقابل استمرار الفسدة فانتهى الوضع بتصغير حجم لقمة عيشه حتى باتت ميكروسكوبية. القضاء على الفساد هو الحل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.