شعار قسم مدونات

السائر في البرنابيو

blogs ميسي

سألتُ صديقا مدريديا، منذ فترة، عن أفضل لحظاته الكروية كمشجع، ليُجيبني سريعا دون تفكير بأن لحظة التتويج بالعاشرة في عام 2014 هي الأجمل على الإطلاق، رغم أن فريقه فاز بالبطولة في ما بعد مرتين متتاليتين كان آخرهما الموسم الماضي. كلامه منطقي للغاية، خصوصا أن الغياب كان طويلا ومرهقا قبل الفوز في لشبونة، بالإضافة إلى الطريقة القيصرية في الانتصار، بعد رأسية راموس في الوقت بدل الضائع، واكتساح أتليتكو في الأشواط الإضافية، لذلك لم أعلق على إجابته، لكنه لم يكتف بذلك ليبادر بالقول، وستكون ثاني أجمل لحظة على الإطلاق، عندما يرحل ميسي من برشلونة!

 

الأرجنتيني ابن روساريو هو أكثر من أرهق ريال مدريد عبر التاريخ، سجل ضده 25 هدفا -رقم قياسي- صنع 14 -رقم قياسي- مع ثلاثية "هاتريك"، بالإضافة إلى هزه شباك الفريق المدريدي 15 مرة في ملعب برنابيو. حتى على مستوى البطولات، فاز ليو مع برشلونة بثماني بطولات ليغا، مقابل أربعٍ فقط لريال مدريد منذ صعود "البرغوث" إلى الفريق الأول في كاتلونيا، كما كان هناك تفوق برشلوني على مستوى الكأس ودوري الأبطال في الحقبة نفسها. هذا على مستوى الإحصاءات فقط، لكن حتى داخل الملعب وفي كل كلاسيكو، يبقى ليو مصدر الخطورة الرئيسي أمام كتيبة الملكي، والنجم الأول الذي يهابه الجميع في العاصمة، حتى وإن لم يلمس الكرة.

 

تحدث تشابي ألونسو في حوار سابق عن ميسي ووصفه بأنه اللاعب الذي أجبر الطاقم الفني للريال على الجلوس لساعات من أجل وضع طريقة لإيقافه، وكيف كانت غرفة ملابس الريال تستعد لمواجهة الملك رقم 10 أيام الكلاسيكو. يقول ألونسو: "كنا نفكر جميعا في كيفية إيقافه، راموس كان المدافع المائل إلى اليسار، بينما لاعب الارتكاز كان وسطا مائلا إلى اليسار، وقتها كان ميسي يلعب مائلا إلى اليمين، وخلفه تشافي هيرنانديز في وسط برشلونة، أي أن هذا الثنائي كان يحتك بالجانب الأيسر لمدريد كثيرا".

 

ريال مدريد أفضل فريق في العالم حاليا، البطل المتوج بالشامبيونز في آخر نسختين، حقائق لا بد من ذكرها، عند الحديث عن رغبة زيدان في تغيير خطته من أجل إيقاف ميسي فقط
ريال مدريد أفضل فريق في العالم حاليا، البطل المتوج بالشامبيونز في آخر نسختين، حقائق لا بد من ذكرها، عند الحديث عن رغبة زيدان في تغيير خطته من أجل إيقاف ميسي فقط
 

هذا الثنائي البرشلوني يعرف جيدا كيف يستفز خصومه ويدعوهم للضغط حتى يتركوا أماكنهم، وتحدث الفراغات المفضلة لزملائهم. تشافي يدعو ألونسو بطريقته، الوقوف بالكرة، الدوران، تغيير اتجاهاته، المهم أن ارتكاز مدريد يخرج لمقابلته، ميسي هنا يصبح في وضع أفضل خلف ألونسو، يصعد راموس لمواجهة ميسي بعيدا عن منطقة دفاعه، ليضرب برشلونة الريال بسرعة، عن طريق تحول الجناح من الطرف إلى العمق خلف راموس المتقدم بعيدا عن مكانه.

 

في النهاية هو قرار صعب، يمكن لتشافي أيضا لعب التمريرة مباشرة إلى الجناح الحر البعيد عن الرقابة، بالتالي الأمر ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض عند سماع هذه الكلمات، لذلك كان العمل التكتيكي قويا قبل الكلاسيكو بمحاولة تقليل الفراغات جيدا بين الخطوط، الدفاع من الخلف، حتى أستطيع البقاء بجوار ميسي، وعدم الذهاب لتشافي عند الضغط، مع ترك هذه المهمة للاعب آخر، المهاجم المتأخر أو حتى صانع اللعب، وبالتالي أصبح هناك لاعب قريب من ميسي -ألونسو- ولاعب على مقربة من الثنائي -راموس- لخلق موقف 2 ضد 1 في وبين الخطوط.

 

صحيح أن الكرواتي أدى مباراة معقولة في الشوط الأول، لكن ميسي صنع أيضا انفرادا صريحا لباولينيو، وفشل الريال في خلق هجمة منظمة رغم سيطرته، ليهدد مرمى شتيجن بالمرتدات والضغط العكسي فقط

مع كل هذا التعقيد التكتيكي المتعب من جانب مورينيو وجهازه، تقابل البارسا والريال 16 مرة أيام البرتغالي، ميسي سجل وصنع خلالها 19 هدفا، وهذا ما تكرر بالحرْف في كلاسيكو هذا الأسبوع بين الفريقين في قمة الليغا، ليضع ميسي بصمته في المباراة حتى قبل أن تبدأ، ولا يتعلق الأمر أبدا بالمبالغة أو التطبيل للاعب ليس في حاجة لذلك، بعد أن قرر زيدان التضحية بإيسكو، أكثر لاعب سجل له أهدافا في الدوري رفقة أسينسيو ورونالدو، وأكثر من صنع فرصا للريال هذا الموسم، والوحيد الذي يمتاز بقدرة فائقة على المراوغة والتحرك في وبين الخطوط، ليجبر دفاعات الخصوم على التراجع، ويخلق فراغات أكبر للمهاجمين، مع ربطه السريع بين الوسط والثلث الأخير.

 

لم يشارك إيسكو منذ البداية، لأن الطاقم الفني لريال مدريد يعلم جيدا أهمية وقيمة ميسي، لذلك قرر البدء بالكرواتي كوفاسيتش، حتى يراقب اللاتيني رجلا لرجل، ويقترب منه كالظل في كل مكان في الملعب، ليتحول الريال من إستراتيجية الفعل إلى الرد، ويبني خطته وفقا لخطورة منافسه، رغم أن فارق النقاط قبل المواجهة كبير لصالح الضيوف. صحيح أن الكرواتي أدى مباراة معقولة في الشوط الأول، لكن ميسي صنع أيضا انفرادا صريحا لباولينيو، وفشل الريال في خلق هجمة منظمة رغم سيطرته، ليهدد مرمى شتيجن بالمرتدات والضغط العكسي فقط، لغياب همزة الوصل بين لاعبي الارتكاز والمهاجمين، إيسكو المجني عليه وميسي الجاني لا زيدان.

 

إيسكو لا يدافع جيدا، وغير مميز في الرقابة الفردية، بينما كوفاسيتش كذلك، تبقى هذه الجملة صحيحة على الورق، لكن داخل الملعب لم يكن الريال في حاجة فقط إلى الدفاع لأنه يريد الفوز أكثر من برشلونة، ولأن ميسي نفسه ساعد فريقه على التسجيل حتى دون أن يلمس الكرة، في لقطة الهدف الأول، عندما مر راكيتتش أمام وسط الريال مرتديا "طاقية الإخفاء"، واكتفى كوفاسيتش بالوقوف بجوار ميسي، مع اقتراب مارسيلو منه حتى يغطي في حالة الخطورة، لينطلق إيفان بسهولة ويمرر إلى روبرتو، قبل أن تصل الكرة إلى سواريز ويضعها في الشباك.

 

في الكلاسيكو، ركض ميسي فقط بنسبة 17% طوال المباراة، بينما كان يمشي بكل هدوء في الوقت الباقي، أي أنه سار على قدميه بنسبة تصل إلى 83%، وفق إحصائية رسمية من EPGraficos
في الكلاسيكو، ركض ميسي فقط بنسبة 17% طوال المباراة، بينما كان يمشي بكل هدوء في الوقت الباقي، أي أنه سار على قدميه بنسبة تصل إلى 83%، وفق إحصائية رسمية من EPGraficos
 

ريال مدريد أفضل فريق في العالم حاليا، البطل المتوج بالشامبيونز في آخر نسختين، حقائق لا بد من ذكرها، عند الحديث عن رغبة زيدان في تغيير خطته من أجل إيقاف ميسي فقط، لكن هذا لم يحدث بالشكل المأمول في النهاية، لأن فالفيردي في المقابل استخدم نجمه الأول كطُعم، يسحب به وسط ودفاعات الريال، ليفسح الطريق أمام غيره، ليسجل سواريز وفيدال، ويهدر باولينيو ثلاث فرص محققة، ليحصل على نجومية اللقاء رغم أنه لم يكن في أفضل حالاته.

 

بالكلاسيكو، ركض ميسي فقط بنسبة 17 % طوال المباراة، بينما كان يمشي بكل هدوء في الوقت الباقي، أي أنه سار على قدميه بنسبة تصل إلى 83 %، وفق إحصائية رسمية من EPGraficos، ورغم ذلك كان أكثر اللاعبين تأثيرا، حيث أنه بالشوط الأول لعب كرقم 10 صريح، لتتم مراقبته بثنائية كاسيميرو وكوفاسيتش حسب قرب أحدهما منه، بينما في الشوط الثاني تقدم خطوات ليصبح مهاجم إضافي، ليسحب كوفاسيتش معه بعيدا عن الوسط، ويترك كاسيميرو وحيدا في الارتكاز، مما استفز البرازيلي للصعود من أجل الابتكار ومساندة الهجوم، ليتفرغ رفاق الملك رقم 10 للتحرك بكل أريحية أثناء التحولات، حتى سجل البلاوغرانا الهدف الثاني وانتهت القمة عمليا بطرد كارفخال.

 

"غريبة جماهير برشلونة، يحتفلون بميسي بعد الكلاسيكو رغم أنه سجل هدفا يتيما من ضربة جزاء، المعضلة التي يتفننون في التقليل من رونالدو بسببها"، تغريدة لأحد المشجعين على تويتر، ليرد عليه أحدهم قائلا، "ميسي الوحيد الذي يسجل، يصنع 9 فرص، مع أسيست، ويُكمل ست مراوغات صحيحة أمام بطل أوروبا، وتجد من ينتقده ويطالب بالمزيد"!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.