تمر الحضارات والدول في التاريخ بدورات تاريخية كما تحدث عنها ابن خلدون وأرنولد توينبي حيث تبدأ بالولادة ثم النشأ ثم تصل مرحلة الشباب إلى أن تشيخ ومن ثم تمرض وتموت، إذ كان هذا الكلام ينطبق على الحضارات والدول فأنه من الصعب أن ينطبق على المدن التاريخية الكبرى التي تكون محور لهذه الحضارات.
إن كان في التاريخ الحديث قد قامت مدن حديثة منقطعة الصلة بالحضارات وأضحت بفعل سياسات قبلة أنظار العالم بعد أن استجلبت الحضارات لكي تكون مقراً لها لما تتمتع به من مميزات خاصة في الحداثة والمعاصرة تؤهلها لتكون منطلقاً للعالمية مع العلم بأن ذلك بعيد المنال والتحقيق على التكيف مع دول وأفكار معينة لا تتلاءم مع طبيعة الأساس الذي تأسست عليه تلك المدن فإن المدن الحضارية الحقيقية بمنطق أن بريق حضارتها لن يموت المدينة لذا فإن هذه المدن لا يمكن لها أن تموت مها مرت عليها الحضارات، وبالتالي فإن الموصل بالرغم مما أصابها من الممكن أن تكون تعرضت للأمراض لكنها لن تموت.
إذ لم تكن الموصل يوماً مدينة تقليدية، إذ أن لها جذور تضرب في عمق التاريخ، حيث يعتقد الكثير من المؤرخين المهمين بتاريخ المدينة أنها أول مدينة على وجه الأرض، حيث تُشير المَراجعُ التاريخيّة إلى أنّ الآشوريين اتخذوا من مدينة الموصل (نينوى) إلى الغرب من الموصل عاصمةً لهم عام 1080 قبل الميلاد، وبنوا فيها أسواراً وقلاعاً، وفي عام 612 قبل الميلاد خضعت نينوى لحُكم الميديون والكلدانيون بعد مَعركةٍ دَمّرت المدينة، وبعد انتهاء المَعركة عاد أهالي نينوى والموصل إليها، وبدأت تجارتهم تزدهر مع ازدياد هجرة القبائل العربيّة إلى منطقتي بلاد الرافدين وبادية الشام، وازدهرت عِمارتهم وبناؤهم، حتى احتلّت المدينة مركزاً مهمّاً.
اكتسبت الموصل اسمها من العرب كونها حلقة وصل بين طرق التجارة، وبين عامي 550-331 قبل الميلاد حَكمها الأخمينيون وبدؤوا بتوطين العرب والفرس فيها، ونظراً لمَوقعها بين حَضاراتٍ مُختلفة تأثّرت الموصل بالأحداث الجاريَة حولها، حيث دارت حروب بين الساسانيين والرومان عام 241م و579م قُربَ المدينة، وفي عام 627م دارت مَعركةٌ حاسِمةٌ بين الروم والفرس قُرب الموصل انتصرَ على إثرها الروم، وخَضعت المدينة لحُكمهم.

إن كثرة الحروب التي شُنت على المدينة في الماضي والحاضر يعطي انطباع أن لها أهمية كبيرة تُغري الفواعل واللاعبين من الدول من أجل السيطرة عليها أو على الأقل تأخير نهضتها، وهذا ما رأيناه في الكثير من الحروب التي حدثت على أرض المدينة آخرها الحرب ضد تنظيم الدولة (داعش). في التقسيم الإداري الحديث في عمر الجمهورية العراقية تعد الموصل ثاني أكبر مدن العراق بعد بغداد وعدت مركزا لمحافظة نينوى بشمال العراق. في مرحلة إعادة بناء الأمم -خاصة بعد الخروج من حروب كبرى- لا بد من التركيز على الأولويات التي تحتاجها شعوب تلك الأمم، وأهم أربعة نقاط رئيسية تحتاجها الأمم بعد الحروب هي:
التخلف لا محالة سينتج تطرفاً، وبهذا نصل إلى أن التطرف الذي تعيشه المجتمعات في المنطقة العربية هو نتيجة ديكتاتورية الحكومات، فالحكومات هي السبب، وهي التي أنتجت هذا التطرف بصورة غير مباشرة، لذا، فإن الحكومات إذا أرادت القضاء على التطرف عليها أن تعطي هامشاً مساحة أكبر من الحرية في المجتمع، وإلا سيزداد التطرف وسيغرق المجتمع في المستقبل القريب، حينها لن تستطيع تلك الحكومات السيطرة عليه، وإنما ستواجهه بتطرف أكبر، مما ينتج فوضى عارمة، وهذا ما نراه يحدث في هذه المجتمعات بالتحديد.

الصحة
لكي نكون فاعلين في المرحلة المقبلة بشكل مؤثر وعلى مستوى عالٍ علينا أن نستعد من الآن لهذه المرحلة المقبلة وأن نكون على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقنا وأن نفكر بعقلية كبيرة أكبر من العقلية التي تربينا واعتدنا التفكير من خلالها لأن المرحلة المقبلة كبيرة أيضاً، فضلاً عن أن التفكير يجب ألا يكون بعقلية الماضي الذي مات، (الأمم لا تتقدم إلا بنقد تاريخها) ولا بعقلية الحاضر المؤقت وإنما بعقلية الغد بطريقة استراتيجية خلاقة من خلال الانتقال عقلياً إلى المستقبل ومحاولة إحضاره إلى الحاضر ومن ثم القيام بقراءته وتحليله من أجل مواجهته أو صناعته أو على الأقل المساهمة فيه، لأن الغد قادم لا محالة فإما أن نكون أو لا نكون، كما أن المستقبل لا يتعامل مع الحلول الوسط بمعنى أن ننتظره يأتي ثم نفكر كيف نتعامل معه، لأن هذه العقلية السلبية لا تجدي نفعاً لمن يريد أن يكون فاعلاً ومؤثراً في صناعة المستقبل لأن المستقبل قادم حتماً، فإما أن نصنعه بأنفسنا أو يصنعه لنا الآخرون، وبالتالي يأتينا جاهزاً خارج عن إرادتنا، لذا لا بد من أن نكون جاهزين لمواجهة هذا الغد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.