شعار قسم مدونات

معلومة من صهيوني!

مدونات - كتاب قراءة READING

بينما أبحث عن مقالات وكتب وأفكار متعلقة بالتربية للمراهقين في مرحلة البلوغ، والتربية الجنسية، أستفيد منها لأولادي.. اطلعت على سلسلة قصص تتناول هذا الموضوع، كانت موجهة للفئات المتدينة والمحافظة في المجتمع.. قرأت القصة الأولى فذهلت بروعتها وإسقاطاتها المفيدة جداً وكانت بالفعل تحمل طرق وأساليب تناسب المتدينين والمحافظين بأسلوب يناسب الجيل الجديد بشكل جيد لا يصطدم معهم.
   

وحين انتهيت من قراءتها فوجئت بأن القصة مترجمة، ومكتوب اسم الكاتب الأصلي للقصة.. قرأت الثانية والثالثة. كانت الكاتبة شديدة التدين، ومن أسرة محافظة جداً على ما يبدو.. ثم عند النهاية فوجئت بأن المترجم هو نفسه الكاتب.. القصة كانت مكتوبة بالعبرية، ومترجمة للعربية.. الكاتبة يهودية إسرائيلية من أصول عربية وتكتب باللغتين!

  
توقفت حين رأيت الكتابة بالعبرية.. وقرأت الاسم من جديد، كان واضحاً أنها يهودية ولكن في البداية لم أنتبه، لم أفكر حتى.. ومنذ أيام كنت في حوار مع صديق لي مقيم في أمريكا، له أولاد بمثل عمر أولادي، كنا نتحدث عن المراهقين والطريقة الأنسب للحوار معهم حول مرحلة البلوغ، أجابني أنه يستفيد من الأسر المسيحية المحافظة، حيث أن لديهم أساليب جداً ممتازة ومفيدة حول هذا الموضوع، تناسب المرحلة العمرية في هذا الزمن الصعب الذي يحتاج فيه المراهقون لإجابات منطقية، مع محافظتهم على التدين والجو المحافظ في الأسرة.. وأردف: الجو المحافظ في الأسر المسيحية في أمريكا لا يختلف كثيراً عن الجو المحافظ لأسرتنا الإسلامية.. فهم أيضاً يشجعون الزواج ويحاربون "المصاحبة والمساكنة والشذوذ وما شابهها.."

  

ورجعت بالذكرى إلى تلك القصص لأسأل نفسي: هل يمكن أن نقبل بأخذ فائدة في مثل هكذا مسائل حساسة جداً، مرة من يهودي ومرة من مسيحي؟! وكثيراً ما تعترضنا أمور نجد فيها إجابات عند مخالف لنا، أو مختلف عنا، أو ربما عدو لنا.

 

undefined

 

أقوم حالياً على إنشاء مشروع مقهى ثقافي في إسطنبول، وفي مرحلة جمع الكتب عرضت لي كتب لشخصيات أختلف مع أصحابها جذرياً وأتفق مع أفكارهم، وسألت نفسي: هل يعقل أن أوافق على اقتناء كتب لمؤلفين أعتبرهم في صف الأعداء؟ ثم سألت نفسي: وهل يعقل أن أمنع عن الناس أفكاراً أراها صحيحة يمكن الاستفادة منها؟ ليس العداء شخصياً وإنما عداء مواقف تتعلق بالوطن أو الثورة أو المبادئ أو.. أو.. كانت معادلة صعبة جداً.

 

كثيراً ما تعترضنا مثل هذه الموافق، التي تجد فيها خيراً، أو معلومة، أو فكرة جيدة، أو علم ينفعك، أو أي شيء تستفيد منه، ثم أول ما يتبادر لذهنك: معقول نأخذ منهج حياة أو معلومة أو فكرة من أحد مخالف لنا؟ من عدو؟ من أحد خارج السياق؟ وأحياناً بالفعل نحجم كلياً عن الاستفادة من شيء لمجرد أنه صادر عن أحد لا نحبه، أو جهة مغايرة لنا بالدين أو الأيديولوجيا أو الفكر أو التوجه.. أو نوقف التعامل مع شخص اكتشفنا أنه مختلف عنا كلياً بالدين أو الطائفة، أو مثلاً مؤيد للنظام!

 

ورغم أن الله تعالى قال (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا)، يعني العدل مطلوب مع كل الناس ولو للشخص معنا شأن معين، إلا أن العدل معه مطلوب، ومن العدل الاستفادة من العلم من الناس.. ورغم أن الأثر المنسوب لرسول الله يقول "الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أولى بها".. وأن التراث الإسلامي يحضّ على الاستفادة من العلم دون تأطير مصدر العلم بالمسلمين أو بالمشابه لنا وليس المختلف عنا.. إلا أن في النفس يبقى أثر لا يمكن التخلص منه بسهولة "معقول آخد معلومة من يهودي أو من عدوي وأطبقها بحياتي"؟!

 
نفس الشعور انتابني، ولكن يمكن تجاوزه حين بالفعل نستفيد من المعلومة، والفكرة، ونرى فائدتها وأثرها علينا وعلى حياتنا، وكيف أننا بالفعل حققنا منها فائدة على الصعيد الشخصي أو المجتمعي.. فنحن دون وعي، نستخدم كل يوم آلاف الأجهزة التي ابتكرها وصنعها وطورها غيرنا.. فهل يمكننا استخدام الأفكار أيضاً دون أن نضع أنفسنا بقالب "من صاحبها وفكره وتوجهه وموقفه من قضيتي ودينه وعقيدته ومذهبه وطائفته… إلخ"؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.