شعار قسم مدونات

بنكيران.. النجم الساحر!

blogs بنكيران

في هذه السنة التي سنودعها بعد قليل، عاشت مملكتنا الشريفة على وقع سلسلة متتالية من الأحداث والوقائع، ويا لها من سنة حافلة بالأحداث والمفاجآت! لقد عاش الشعب المغربي الأبي لحظات عصيبة وكئيبة وغريبة! منها ما تشد الأعصاب وتحبس الأنفاس، ومنها ما تدعو للبهجة والفخر وتثير الإحساس، وهكذا لعمري حياة الناس.

دخلت سنتنا الجديدة على مملكتنا وهي تجر مخلفات "بلوكاج" طويل، و"زلزال" ضرب حملة "المصباح"! ثم تناسلت الأحداث، فانطلاقا من "فتنة" تشكيل حكومة العثماني، والخطب الملكية الغاضبة، و"الزلزال السياسي".. ومرورا بإطلاق القمر الصناعي، وفاجعة "شهيدات الطحين".. وصولا إلى تأهل منتخبنا المغربي إلى نهائيات كأس العالم، ووقوعه في "مجموعة الموت"، وانتهاء بسطوع نجم المادة 16! وما تبعها من "مناظرات" الولاية الثالثة لبنكيران.. وأخيرا ظهور ما لم يكن في الحسبان: ظاهرة ما يسمى "عفاريت الإخوان" هكذا عشنا سنتنا الحالية، على إيقاع محاكمات ماراطونية، وفضائح "شخصية"، و "اغتيالات" هوليودية!

 

عفاريت الإخوان

في مقالة سابقة تحت عنوان: "بنكيران.. فلتة الزمان وآخر الفرسان"، بدأناها بمقدمة مقامية جاء فيها: كان يا ما كان، في حاضر العصر والأوان، كان بطل مغوار، ذو لسان بتار، أقض مضاجع الفاسدين والمتحكمين الأشرار! صال البطل وجال مجندلا خصمه "المحظوظ" و"كركب" "الجرار".

لا يختلف اثنان أن شخصية السيد عبد الإله بنكيران مثيرة للجدل، فهناك قطاع واسع عريض يراه زعيما سياسيا كبيرا، وهناك من يرى أنه ليس
لا يختلف اثنان أن شخصية السيد عبد الإله بنكيران مثيرة للجدل، فهناك قطاع واسع عريض يراه زعيما سياسيا كبيرا، وهناك من يرى أنه ليس "رجل دولة" بالمرة
 

ولكن، وهو في أوج انتصاره حاصره "حلفاؤه" وشكوه للسلطان! فقبل ذلك الوقت والزمان، كان الزعيم قد قاد حزبه إلى نصر مؤزر يشار له بالبنان، ويا لعجبي! فقد تجاوز كل الحواجز المزروعة ضده، وحطم "مطبات" الأمان! فأعجب به الصغار والكبار والنساء والشبان، بل وصل صداه إلى كافة القرى والأرياف والوديان، فأزعج بذلك من استعلى فوق الأرض من بني الإنسان! وكذا من تحتها من العفاريت و"النفاريت" والجان!

وفيما يشبه "صدمة درامية"، أُكرِه البطل المغوار على تجرع الذل والهوان، وأحيل على التقاعد قبل الأوان، فسارع "إخوانه" لمباركة قرار السلطان، ورد التحية بأحسن منها! وارتفعت أصوات الزملاء "الوزراء": كفانا "صداما" مع صحب السلطان، وليسقط بنكيران! فلسان حالهم: حب الجاه والسلطان من "الإيمان"! وهما أنفع وأبقى من الزعيم "المتهور" بنكيران!

وشخصيا أرى أن من آخر "إنجازات" السيد بنكيران الكبرى! أنه أرغم "عفاريت الإخوان" على الظهور! فبعد نجاحه منقطع النظير في الكشف عن بعض "عفاريت الدولة"، مرغما إياها على "الظهور" لمنازلته على الأرض! سرعان ما جاء الدور على "عفاريت الإخوان"…! لقد أرغم "البطل" على الخروج من المعركة وهو في أوج انتصاراته! ومنع الفارس المغوار منن الاستمتاع بحلاوة انتصاره، فبعد أن عجزت أجهزة الداخلية عن اكتشاف "زر الإيقاف" OFF لهذا "الوحش الكاسر"، الذي أذهلت شعبيته المتصاعدة الجميع، كان لا بد من إيقافه "بقوة قاهرة"!

فإذا كان السيد عزيز أخنوش قد قاد "فريق البلوكاج" الحكومي، من أجل منع السيد بنكيران من الفوز بـ"الولاية الثانية" على رأس الحكومة المغربية، فإن السيد المصطفى الرميد قد شكل "حائط الصد" مع زملائه "الوزارء" وأتباعهم، من أجل منع الأخ بنكيران من الفوز بـ"الولاية الثالثة" على رأس حزبه!

السادة "الوزراء" رموا أخاهم واتهموه بـ"الصراع مع القصر"، الذي يقطنه ملك يحبه بنكيران حبا جما! ويلهج بذكره، ربما أكثر مما يذكر خالقه! ولا يمكن لأحد أن يزايد عليه في "عشقه الملكي"

أثار "الوزراء" الأعزاء، وكذا اتباعهم من عشاق "مصلحة الوطن" الأوفياء! الكثير من الغبار حول شرعية "الولاية الثالثة" للأمين العام، وسحروا أعين الناس بمشاركاتهم الفاعلة في "معارك" قانونية، وتمارين ديمقراطية، تخفي بحق مدى حبهم الشديد لـ "مصلحة الوطن" السخية!، التي أنعمت عليهم بحلاوة العيش الرغيد، حيث الفلل الشاسعة، والسيارات الفاخرة، ما شاء الله، والله يحب أن يرى أثر نعمه على عبده! حيث استوت الكروش "الحلال"! و "تحنكت" الوجوه، واللهم لا حسد!

عندما كنا صغارا، كنا نتساءل دوما عن سر حب السياسيين لـ "مصلحة الوطن"! ولكن لما هرمنا، أدركنا حل "الأحجية"، وسر سحر "مصلحة الوطن"! فلم يكن الأمر يتعلق بجمالها وبهائها وحسن قوامها، بل لـ "ثرائها" و"سخائها" وكرمها الحاتمي! فكل من "فاز" بفرصة "ممارسة الحب" مع "مصلحة الوطن"، كانت تغرقه في أحضانها الغضة الطرية الدافئة! حيث تقوم "منتشية" في خدرها بنقل جيوش "العاشقين" المتيمين بـ"حبها"، من صفوف المعدمين الفقراء، ودور الكراء، إذ تلحقهم فورا بنادي المحظوظين الأثرياء! فكيف لا يقع في حبها حتى الأخ الناسك المتعبد! الحامل للمصباح السحري؟! ولا عزاء للأوفياء!

لا غرابة أن يلاحظ المتتبع أن جل المعارضين والرافضين للولاية الثالثة، هم -صدفة- من عاشقيي "مصلحة الوطن" الكبار: معشر الوزراء، وموظفي الدواوين، ورؤساء الجماعات، والمسؤولين في الجهات والأقاليم، الذين "ذاقوا" حلاوة "خدمة الوطن" الحلال! وأغدقت عليهم "مصلحة الوطن" بنعيمها المشاهد!

ولا عجب أيضا أن نرى أن أغلب الداعين للولاية الثالثة، والأوفياء لإرادة الناخبين المعبر عنها في السابع من أكتوبر٢٠١٦، هم من فئة الشباب الطاهر المتحمس للتغيير، وتنزيل شعار مكافحة الفساد والاستبداد! وأغلبهم ليس لديه ما يخسره! فترى دفاعه راقيا نقيا تقيا، بعيدا عن أي تشويش! بخلاف الفريق الذي التحمت مصالحه بـ"مصلحة الوطن" التي ذاق عسيلتها، فاستصعب فراقها، وكان الله في عون العاشق المغرم المشتاق!

فارق ومفارقة

من العجيب الغريب أن تلكم "الفوارق" بين الفريقين، كانت من "حسنات" السيد بنكيران، التي لم يقصدها! فقد تمايز الصفان: فيلق المسؤولين "الكبار" وأتباعهم! في مواجهة "شرذمة" الشباب "الأراذل"، المخلصون لأصوات الشعب المعبر عنها قبل حين! وإذا كانت قلوب فيلق الصد، ارتعدت بسبب "معطيات" مهموس بها من "فوق"! فإن آذان الشباب الوفي التفتت فقط لنبض الشارع "تحت"! وآمنت بصوت الشعب "المغبون"!! 
ذلكم الفارق، فما المفارقة؟

إن المفارقة العجيبة التي نسجلها أيضا في سجل "حسنات" بنكيران التي لم يقصدها! أنه كشف لنا عن معادن "حوارييه"! وبعض أقرب "المقربين" منه، الذين فازوا برعايته وتزكيته ومباركته وثقته الغالية! فإذا كان السيد أخنوش، الذي انتظره السيد بنكيران حتى يعقد مؤتمره ليتحالف معه، هو بالضبط من قاد فريق "البلوكاج" ليمنعه من الوصول إلى "الولاية الثانية" على رأس الحكومة! فإن السيد الرميد، الذي أصر بنكيران على استوزاره، وصمد من أجله، هو بالضبط من قاد فيلق الصد، ضد تربع بنكيران على كرسي الأمانة العامة للمرة الثالثة! 

وإذا أحببنا إضافة نموذج آخر فأكيد لن نقف كثيرا عند السيدين الحمداوي أو الرباح! لأن الأجدر بذلك هو السيد سليمان، ذلك الرجل الذي لا يعرفه أحد! ورغم ذلك اتخذه الزعيم نائبا له، بل أقرب مقربيه! فقط لأنه "خذل" الأمين العام السابق لصالحه! وها هو فعلها ثانية و"خذل" رئيسه الجديد، وهو في أمس الحاجة إليه! ليساند رئيسه القديم، الذي أصبح رئيس حكومة، ثم أمينا عاما، فاتخذ سليمان نائبا له! وأبعد أشرس "المخلصين" للزعيم، بعدما تربع على "عرش" الزعيم بـ "نصف إجماع"!! 

لكي نفهم سر هذه
لكي نفهم سر هذه "الظاهرة الصوتية"، التي شغلت الناس في القرى والمدن والتلال وعلى قمم الجبال! فلا بد أن نتفق أنه "نجم" ساطع، وحتى نبقى في سياق "لعب الأدوار" فهو حقا وصدقا "ممثل بارع"

والأغرب من الغريب، أن السادة "الوزراء" رموا أخاهم واتهموه بـ"الصراع مع القصر"، الذي يقطنه ملك يحبه بنكيران حبا جما! ويلهج بذكره، ربما أكثر مما يذكر خالقه! ولا يمكن لأحد أن يزايد عليه في "عشقه الملكي"، لأن درجة ارتفاع "الأكسيتوسين" التي يحملها "الزعيم" للملك، لن تجد لها نظيرا بين السياسيين على طول المملكة وعرضها، ولكنه حب من طرف واحد!

وأخيرا:

لا يختلف اثنان أن شخصية السيد عبد الإله بنكيران مثيرة للجدل، فهناك قطاع واسع عريض يراه زعيما سياسيا كبيرا، يتمتع بمصداقية عالية، وشعبية كاسحة قل نظيرها، ولسان لا يشق له غبار، بل "ظاهرة تواصلية" يجب أن تدرس.

وبالمقابل هناك من يرى أنه ليس "رجل دولة" بالمرة، ولا يتمتع بأية مصداقية، بل هو "مهرج" مخادع "كذاب"! يستغل الدين، ويدغدغ مشاعر الفقراء وغيرهم، دون أن يحقق لهم شيئا على الأرض، ويلعب دور "المظلوم"، وهو الرجل الثاني في هرم الدولة.

ولكي نفهم سر هذه "الظاهرة الصوتية"، التي شغلت الناس في القرى والمدن والتلال وعلى قمم الجبال! فلا بد أن نتفق أنه "نجم" ساطع، وحتى نبقى في سياق "لعب الأدوار" فهو حقا وصدقا "ممثل بارع"! وكل من درس التمثيل بكل مدارسه، سيعلم دور الإحساس بـ "الصدق" في إقناع الجمهور! وهو بالضبط ما كان يتقنه الزعيم بملكة فطرية، وموهبة ربانية رفعته لمستوى "الإتقان" التام! هو الوحيد الذي يمكن أن يقنع الناس بما يضرهم ويصفقون وهم يبتسمون، وكأنه "ساحر"! وإذا كانت "الأدوار الأولى" لا تسند عادة إلا للنجوم، وتسند "الأدوار الثانوية" لمن هم دونهم، فلا شك أن إسناد الدور الأول لمن لا يتقنه قد يؤثر حتما على الفرجة المطلوبة والمتعة المنتظرة! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.