شعار قسم مدونات

ما يجهلهُ القادة.. الشعب يقود الانتفاضة

blogs - فلسطين

لا شكَ أنَّ الشارع الفلسطيني هو صاحب القرار في الرد على تصريح ترامب، الذي اعترف به بأن القدس عاصمة لما يسمى اسرائيل، فالشعب وحده صاحب التجارب العديدة والخبرات العالية في مواجهة الاحتلال، ناهيكَ أنَّ لديه طرق مختلفة في التعبير عن نفسه دون الحاجة لأية سلطة أو حكومة أن توجهه.

فعمليات الطعن والدهس والمظاهرات العفوية ومواجهات الاحتلال على حواجز وحدود المدن، حتى تغيير الصورة الشخصية والتغريد على وسوم وهاشتاقات تدعم القدس، وحتى المقاطع المرئية المختلفة التي تحوي في مضمونها كل ما ينصر قضية القدس، كلها لم تكن منظمة من حزب أو تنظيم وحتى لم يكن لها قائد. هذا ما يجهله قادة التنظيمات هنا، يظنون أن الشارع يتحرك تبعًا لتصريحاتهم وشعاراتهم، والحقيقة أن توجيهاتهم مجرد وهم ليس له أي قيمة.

إن الأحداث التي مرت بها القدس على مر التاريخ تشهد لأهل القدس والشعب الفلسطيني بأنه سيد الموقف، بدءًا من الانتفاضة الأولى، انتفاضة الحجارة عام 1987، التي كانت تعبر عن الاحتجاج العفوي الشعبي الفلسطيني بعد حادثة دهس الشاحنة الاسرائيلية لسيارة تحمل مجموعة فلسطينيين، مرورًا بالانتفاضة الثانية، انتفاضة الأقصى عام 2000، التي اندلعت بعدما قام رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق أرئيل شارون باقتحام المسجد الأقصى وتجول في ساحاته وقال أن الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلية، مما أثار استفزاز المصلين الفلسطينيين، فاندلعت المواجهات بين المصلين وجنود الاحتلال في ساحات المسجد الأقصى.

إن كنت لا أبالغ فإن غالبية الشعب الفلسطيني لم يروا القدس حتى، لكن مكانتها الروحية جعلت منها أكثر من مجرد مدينة أو مكان أو وطن يُدافع عنه

انتهاءً بالهبات الشعبية المتتالية التي لم يكن يرأسها أي تنظيم ولم يوجه الشباب فيها غير قلوبهم، فلا قائد كان لكلماته أثر بالغ وواضح في تحريك الشعب ولا تنظيم نجح في توجيههم كما يريد، وخير مثال نستذكره أيضًا هو حادثة البوابات الإلكترونية التي وضعها الاحتلال على بوابات القدس قبل عدة أشهر، لم يزيلها إلا صمود أهل القدس بالرغم من التضامن المعنوي خارج المدينة.

إن الغيرة على المقدسات فطرية لدى الشعب الفلسطيني وإن كنا نرى ونسمع التصريحات والشعارات التي ينادون بها قادة التنظيمات هنا وهناك. قد يظن الاحتلال أنه سيستطيع السيطرة على الشارع الفلسطيني في القدس والضفة خاصة، ظنًا منه أنه عرف نقاط الضعف وعرف كيف يتعامل معها ولكن يكتشف أن كل هذه الاحتياطات الأمنية مكلفة بلا فائدة.

فالشارع ليس السلطة ليتفاوضوا معه، وليس فصائل ليعقدوا الهدنة مقابل شروط. إن الاستشهاد غاية لدى الشباب وبذلك فهم لا تخيفهم الأسلحة والتجهيزات الأمنية الضخمة، ما زال الاحتلال يجهل ما يدور في عقول الشباب الفلسطيني رغم امكانياته الباهظة ورغم فهمه للقادة.

إن كنت لا أبالغ فإن غالبية الشعب الفلسطيني لم يروا القدس حتى، لكن مكانتها الروحية جعلت منها أكثر من مجرد مدينة أو مكان أو وطن يُدافع عنه. هي التاريخ وبرهان يثبت هويتهم، القدس أصلٌ للأصل فإذا تخلوا عنها فقد تخلو عن آخر ما لديهم من هوية، وأعلنوا تشردهم، لذا فإن ردودهم العفوية طبيعية غير موجهة للدفاع عن حقوقهم في ملكية الأرض والمقدسات، رسالتهم للمسؤولين أن قرارتكم تكون مؤثرة حين تتخلون عن الاتفاقيات الوهمية مع المحتل، حين تخرجون معنا في الميدان، فالأرض لنا جميعًا.

حين تتوقفون عن المعاملة السياسية والاقتصادية مع أمريكا، حين تطردون السفير الأمريكي من البلاد، وتنتهوا من كل المفاوضات السرية والعلنية، أمريكا التي تدعي السلام تقولها بصراحة: كل هذه المخططات والاتفاقيات هي مجرد وسيلة كيف نعلن أن القدس وكل فلسطين ملك لإسرائيل ولكن بطريقة سلمية. القدس لا تحتاج إلى مجرد شعارات والانتفاضة ليست فقط مواجهات وعمليات بل هي ثقافة رفض للذل والهوان يجب أن تكون في كافة المجالات والقائد لها هو الشعب فهو صاحب القرار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.