لم تكتفِ حماس والفصائل الأخرى بالصمت المطبق تجاه ما يجري في القدس فور حدوثه، فما إنْ أُذيعَ نبأ ترمب، ليخرج غالبية قادة المقاومة بالتنديد والاستنكار والتعبئة الإعلامية للحراك الشعبي وإعلان الانتفاضة الفلسطينية الثالثة على العدو، فَهَمّت الفصائل بجمع الحشود والخروج بالمسيرات التضامنية مع الأقصى، وهَمّ الشباب بإشعال إطارات السيارات في الطرقات، ودَعَتْ الفصائل عموم الشعب الفلسطيني بالخروج صوبَ (نقاط التّماس) للاشتباك المباشر مع العدو بصدورٍ عارية.
العائق الذي يقف حائلًا لعدم استجابة المقاومة للدعوات الشعبية بإطلاق العنان لسلاحها قد شكَّلَ لها كبوة شعبية عاطفية، إلا أنها تحاول أن تتدارك هذا الموقف من خلال سماحها للتنظيمات العسكرية -الناشئة- بإطلاق العديد من الصواريخ على مناطق غلاف غزّة، وهذا ما جعل حماس تتحمّل رد الفعل الإسرائيلي باستهداف مواقعها القسّامية واستشهاد قسّاميان في خِضَمِّ الاستهدافات.
غرفة العمليات العسكرية المشتركة بين الفصائل الفلسطينية تضعُ نصبَ أعينها مسألة تحجيم الصراع مع جبهة غزّة، لأنها على يقينٍ بأنّ إسرائيل تعمد لتحويل الأنظار عن قضية القدس وإلهاء الناس بالتعاطف مع غزّة، وتحتاج فقط لمبررٍ قويٍ لشنِّ عدوانٍ على القطاع بلا هوادة، لكنّ الفصائل يدركون أسلوب الترويض جيدًا، من خلال عدم تبني القسّام أو الفصائل الكبرى للصواريخ المطلقة، وتصدير مسألة الإطلاق للتعددية الحزبية، وترى القسّام أنّ فاتورة قصف مواقعها أمرٌ هيّن ما لم يُدخلها بخسائرٍ بشرية، وتحاول الحفاظ على عملية إخلاء مواقعها العسكرية والأمنية بانتظامٍ من وقتٍ لآخر، تجنبًا لوقوع الشهداء بين صفوفها، وربما إن أرادت المقاومة إشعال النفير العام تحت شعار "لم يبقَ شيء"، فحتمًا ستكون المواجهة داخل القدس وفي أروقة الضفة من خلال استنهاض خلاياهم الموقوتة، لا عبر غزّة.
أما عن غرفة العمليات السياسية، فإنّ فصائل المقاومة في غزة تنظر لقضية القدس بنظرة بالغة الاهتمام، لكنها تخوّل أمر التصرف للجانب العسكري بحدودِ السِّلمِ مع غزّة، لا سيّما وأنّ اللاعبين السياسيين يخوضون الآن معركة قوية على طاولة المصالحة الوطنية مع السلطة، فالخصم مُتعنِّت، ويحتاج لنفوذٍ كاملٍ على كل شيء في القطاع بما فيه سلاح المقاومة، وقد يستغل أي تصعيد للتهرب من استحقاقات المصالحة بحُجّة عدم التمكين وانفراد القسّام والقوى المسلحة بقرار أحادي في مسألة السِلم والحرب، حيث تضع الفصائل هذا الشأن نصب أعينها، وتلتزم بقرار السِلم لترى إلى أي مدى ستؤول الأمور، وتحاول مسايرة السلطة بقدرٍ كبيرٍ من التنازلات الوزارية والأمنية والحدودية في سبيل إتمام المصالحة ورفع العقوبات التي تفرضها السلطة على القطاع، وإنعاش الشعب الفلسطيني بعد حصارٍ جعل من المواطنين ينصرفون عن طريق المقاومة؛ ليبحثوا عما يُخرِسُ بطون أطفالهم.
المسألة هنا باتت أكثر وضوحًا، فنحنُ في أوجِ مرحلة التغيير الراديكالي للقوى السياسية والعسكرية، ففي مقدمة الأولويات ستبحث الفصائل الفلسطينية عن سبيلٍ كريمٍ للمواطن الغزّي تحت إطار حكومة مشتركة بين السلطة والفصائل، وعلى صعيدٍ آخر، ستعمل المقاومة على تجييش ترسانتها العسكرية كقوة رادعة تحت شعار "فإن عدتم عدنا"، وعلى صعيد القدس؛ فالكلمة الأولى والأخيرة لشبابها ونسائها وشيوخها وأطفالها، أما عن غزّة، فهي على موعدٍ مع "استراحة مقاتل".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.