شعار قسم مدونات

التهويد والاستيطان.. نسخة ميانمار

Myanmar State Counselor Aung San Suu Kyi arrives to deliver a speech to the nation over Rakhine and Rohingya situation, in Naypyitaw, Myanmar September 19, 2017. REUTERS/Soe Zeya Tun
يمر مسلمو الروهينغيا اليوم بمرحلة تُعَدّ الأصعب على الإطلاق وسط انهيار عملية السلام، جراء استمرار ميانمار في النشاطات التقتيلية، والاعتداءات على بيوتهم ومنازلهم، والاغتصاب الجماعي لنسائهن العفيفات، وتهجير السكان والاستيلاء على ممتلكاتهم ومصادرة أراضيهم واستمرار الحصار المفروض على ولاية راخين.

وتستغل ميانمار الواقع المرير الذي يعيشه المسلمون والدول الإسلامية القوية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية عامةً باشتغالهم أو انشغالهم في صراعات ومؤامرات داخلية يضرب بعضهم رقاب بعض؛ وتسعى ميانمار بخطى حثيثة إلى إزالة الروهينغانين من بلادهم التي يعيشون فيها منذ قديم وتهويد بيوتهم ومنازلهم حتى لا يستطيعوا أن يرجعوا إلى بيوتهم مرة أخرى.

والحق أن ميانمار تريد أن تسابق الزمن لإنهاء أزمة الروهنيغا عبر إقامة المشاريع التهويدية والاستيطانية في المدينة المحتلة وإقرار قوانين بالبلد تكرِّس سيادةَ الاحتلال على ساحات راخين التي احمرت أرضها بدماء المسلمين الأبرياء من الرجال والنساء الشيوخ والأطفال.

من المؤسف جدا أنَّ العربَ كلَّهم في مثل هذا الوضع المتأزم الحرج أيضا لم يتَّخِذوا أيَّ خطوة حاسمة سريعة في وقف هذه العمليات الشنيعة في حق مسلمي الروهينغا

وتصاعدت الاعتداءات الميانمارية التي يقوم بها جيشها وشرطتها في مدينة راخين التارخية بعد أغسطس الماضي، ولكن هذه الاعتداءات ليست بجديد؛ بل تجري منذ 1982م. فتقول بعض التقارير، إن الجيش الميانماري حرم المسلمين من حقوقهم الأصلية والدينية، وذلك من خلال فرض الحظر على رفع الأذان بالمذياع، وإقامة حفلة دينية، وإقامة مدارس ومساجد منذ عقود.

وعلى ساحة الأسرى الروهينغانيين في السجون الميانمارية شهدت بعد شهر أغسطس ارتفاعًا ملحوظاً في أعدادها نتيجة عمليات الاعتقالات الواسعة لروهينغا المسلمين من غير توجيه تهمة ضدهم. وبلغ عدد المعتقلين الروهينغانيين في السجون والمركز للاعتقال الميانماري حدا كبيرا، حتى إنه لا يعرفه أحد مسؤولي السجون. وعشراتٌ منهم قد قضى ربع قرن في الزنزانة الميانمارية، ومنهم من أمضى أكثر من 25 سنة فيها، ومنهم من حُكم عليه بالسجن مدى الحياة 20 مرةً، ومنهم من أصيب بالأمراض الفتاكة، ومنهم من لا يستطيع التحرك بنفسه، ممن يعتبرهم ميانمار خطرًا وتهديدًا لأمنها وسلامتها.

وقد كان شهر أغسطس الماضي من أصعب المراحل التاريخية التي تعرض فيها الشعب الروهينغا لعمليات اعتقال عشوائية شملت الآلاف من أبناء وبنات هذا الشعب. أليست هذه الجرائم وأمثالها الكثيرة التي لا نهاية لها تُملي ضرورةَ محاكمة ومحاسبة ميانمار وقادة جيشها وقتلة الشعب الروهينغا المظلومين العازل على ممارساتها بدم بارد، وإحالة هذا الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية؟

من المؤسف جدا أنَّ العربَ كلَّهم في مثل هذا الوضع المتأزم الحرج أيضا لم يتَّخِذوا أيَّ خطوة حاسمة سريعة في وقف هذه العمليات الشنيعة التي لا يستطيع أن يقوم بها إلا الذين تجردوا من كل معاني الإنسانية؛ مع أنهم يملكون من القوة التي تمنع هذا التقتيل العشوائي والإبادة الجماعيّة؛ بل تراهم ينظرون إلى الحوادث مكتوفي الأيدي عاجزين عن اتخاذ خطوة فعّالة لحقن دماء المسلمين المظلومين الروهينغا وصيانة أرواحهم وممتلكاتهم وإعادة حقوقهم وحريتهم نحو العيش الكريم في بلادهم.

راخين اليوم مجروحة، والمسلمون الأبرياء مظلمون، وقد أخرجوا من بيوتهم وديارهم، ونزل عليهم من الويلات التي لا يعلم شدَّتَها إلاّ الله سبحانه تعالى وحدَه
راخين اليوم مجروحة، والمسلمون الأبرياء مظلمون، وقد أخرجوا من بيوتهم وديارهم، ونزل عليهم من الويلات التي لا يعلم شدَّتَها إلاّ الله سبحانه تعالى وحدَه
 

وقد كان من أخلاق الإسلام الحث على أن يدافع المسلمون عن إخوانهم، فكان أصحابه صلى الله تعالى عليه وسلم رحماء بينهم أشداء على الكفار، كما قال عز وجل: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ) فالنبي صلى الله عليه وسلم شبَّه المسلمين في هذا الحديث برجل واحد، ونفهم من هذا الحديث أن كافة المؤمنين في العالم كرجل واحد له أعضاء متنوعة، فرغم هذا التنوع توجد صلة ودِّية عميقة بين هذه الأعضاء.

حيث إذا ابتلى أحدها بمرض أو ألم لا يوجد القرار في الأعضاء الأخرى، ويستعد كل الأعضاء لنصر العضو المريض حسب استطاعتها، فتمشي الرجل إلى الطبيب وكذلك يستعد الفم لشرب الدواء ولوكان مرا، ولايقول: إني لست مريضا، فلا أتحمَّل صعوبةَ المرارة لمرض غيري؛ بل ينصر بعض الأعضاء بعضا في الآفات والأمراض، فلوخرجت حرقة في اليد لا تنام العين بألمها؛ بل يتسابق كل عضو لإزالة الألم من ذلك العضو المبتلى، فكذلك المسلمون في البلاد الإسلامية إخوة للمسلمين في البلاد غير الإسلامية، وكذلك المسلمون في الغرب إخوة للمسلمين في الشرق.

الكل يرتبط بعضه ببعض بوحدة الإسلام التي أوجبت عليهم حقوقا لبعضهم على الآخر، فينبغي لكل مسلم في العالم أن يألم لما تعرض له إخوته في ميانمار، وكذلك ينبغي لمسلم في المملكة العربية السعودية أن يحزن لما أصاب إخوانه في راخين. كما جاء في الحديث الشريف، عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري – رضي الله تعالى عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ" (رواه البخاري 6026، ومسلم 2585) عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِير رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ، وَتَوادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى". (رواه البخاري 6011، ومسلم 2586).

إن كنا من المؤمنين ألسنا مجروحين بجرح راخين وأهلها المسلمين؟ فكيف تنام عيوننا نوم الغفلة؟ وتركنا المدافعة عن إخواننا المظلومين

وإن راخين اليوم مجروحة، والمسلمون الأبرياء مظلمون، وقد أخرجوا من بيوتهم وديارهم، ونزل عليهم من الويلات التي لا يعلم شدَّتَها إلاّ الله سبحانه تعالى وحدَه، وقد يطرح هنا السؤال لماذا يتعرض المسلمون في كل عالم للقتل والإبادة والتدمير والتشريد والاعتداء على الأرواح والأموال؟

فالجواب أنَّ السبب الوحيد في ذلك كله أننا قد ابتعدنا عن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم (المسلمون كرجلٍ واحدٍ إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله)، وإننا تخلينا عن المحبة والتعاطف التي علمناها رسولنا صلى الله تعالى وسلم، فلم نبق على الصفة التي كان آباؤنا عليها، وكذلك تركنا الأخذ بأسباب القوى المادية التي أمرنا بأخذها ويحثُّنا على إعداد القوة، قال تعالى (وَأعِدُّوْا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ ومن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُوْنَ بِه عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) ﴿سورة الأنفال: 60﴾.

ويأمرنا أن نكون على حذر دائم من أعداء الإسلام، لا نأمن لسلمهم ولا نستكين لسكونهم، قال تعالى (وخُذُوْا حِذْرَكُمْ) (سورة النساء : 102) فإنَّ أعداء الإسلام والمسلمين يتمنون دائما أن يضع المسلمون سلاحهم، ويتركوا جهادهم، ويغفلوا عن تحرير أوطانهم وأنفسهم، ويتجهوا إلى متاع الدنيا وشهواتها، كما قال تعالى (وَدَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا لَوْ تَغفُلُوْنَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيْلُوْنَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً) (سورة النساء:102) وسيظل أعداء الله منتظرين مترقبين هذه الفرصة، مهما يهتفون بحرية التدين، فأفصى أمانيهم أن يحاربوا الإسلام، وأن يعيدوا المسلمين عن دينهم، وسيزالون يسعون لذلك بمختلف الطرق وبشتى السبل، وهذا ما وضحته لنا الآية الكريمة في سورة البقرة: 217 (وَلاَ يَزَالُوْنَ يُقَاتِلُوْنكُمْ حَتّى يَرُدُّوْكُمْ عَنْ دِيْنِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوْا).

ولهذا يجب على كل مسلم أن يكون في حالة استعداد دائم لمواجهة أعداء الإسلام والمسلمين وألا يترك سلاحه دائما، قال تعالى (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوْا أَسْلِحَتَكُمْ) (سورة النساء: 102) ولا يقتصر التدريب والإعداد على الجيش النظامي فقط بل هي مسؤولية كل فرد مسلم.

فإن كنا من المؤمنين ألسنا مجروحين بجرح راخين وأهلها المسلمين؟ فكيف تنام عيوننا نوم الغفلة؟ واشتغلنا بسائر المعاملات الدنوية وتركنا المدافعة عن إخواننا المظلومين؛ بل حان لكلِّ مسلمٍ أن يُخرجَ القلمَ ويَكتُبَ، وأن يرفعَ صوته ويَندُبَ، وأن يرتقيَ منبرَه ويَخطُب، وأن يرفعَ سلاحَه ويَضرِب، والله سبحانه وتعالى هو المسؤول أن يرد لنا روحنا المفقود.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان