الخرطوم مدينة تضج بالحياة لا تبارح لياليها الفعاليات الثقافية والمعرفية والسياسية إلا نادراً، تُكثر فيها منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية والشركات الناشئة وأنشطتهم، وكذلك تستند على إرث تاريخي وثقافي كبير وعندها يلتقي النيلين الأبيض والأزرق ليكونا نهر النيل العظيم وتغنى لها فنانو الغناء الأوائل والحديث ومن أشهر أغانيها وأكثرها ترددا ما تغت به مجموعة عقد الجلاد الغنائية (يا جمال النيل والخرطوم بالليل) فهي القلب النابض للسودان قديماً وحديثاً ومركز المعرفة والسياسة والسودان المصغر، لكنك إذا أدرت أناملك صوب الشبكة العنكبوتية للبحث عن هذه المدينة ومعالمها وإرثها فستجد محتوى إلكتروني هش جداً وفطير لا يعبر عن هذه المدينة ولا عن البلد السودان بتاريخه وحضارته ومكانته السياسية والجغرافية وتعدده الثقافي واللغوي والأثني وإنتاجه الأدبي والمعرفي.
المحتوى السوداني على الإنترنت ضعيف جداً مقارنة بالمحتوى العربي الذي لم يتقدم كثيرا بالنسبة إلى محتوى الإنترنت العام برغم وجود مبادرات كبيرة ومؤسسات ضخمه يرعاها أمراء وملوك وسياسيين. هناك حركة ثقافية كبيرة بالبلاد، وأعداد متزايدة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لكن ذلك لا ينعكس أثره على المحتوى السوداني على الإنترنت لعدة أسباب أبرزها:
ما نحتاجه الآن لإثراء المحتوى السوداني على الإنترنت هو مبادرات عملاقة تعمل على إثراء المحتوى بصورة مبتكرة وجذابة |
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في السودان في الخمس سنوات الأخيرة تزايداً كبيراً في أعداد المستخدمين ساهمت في صناعة وعى ثقافي وسياسي بين الشباب وساهمت أيضاً في إنجاح كثير من المبادرات والحملات ونشر ثقافة العمل الطوعي وثقافة العمل الحر وريادة الأعمال، وأبرزت كثير من الأدباء والمدونين، لكنها حتماً أثرت سلباً على المحتوى السوداني على الإنترنت فلا نجد هذا المحتوى المتميز في محركات البحث ولا في المنصات المتخصصة له لأنه يكتفى أصحابه بمواقع التواصل الاجتماعي فقط.
لعل ضعف الإنتاج والتوثيق للحياة السودانية ظل في كل الحقب متلازماً للأجيال فنادراً ما نجد كتابات متخصصة توثق للحياة السودانية في مختلف جوانبها إلا نادراً ظل الاهتمام بالتوثيق ضعيف جداً ومعظم المعلومات التاريخية ذات تداول شفاهي أكثر من كونها معلومات مكتوبة ومؤرشفة وتكمن أهمية التوثيق حسب ويكيبيديا في أنه هو الركيزة الحقيقة التي يعتمد عليها الباحثون في البحث عن الحقيقة وكذلك هو ذاكرة الأمة المضيئة اليقظة الحصينة التي لا يدركها النسيان ويمثل حلقة وصل متينة تصل حاضر الأمة بماضيها ويقف شاهد حي على نضال الأفراد والجماعات والمنظمات والحكومات والحضارات التي تعاقبت منذ فجر التاريخ لذا ضعف توثيق التاريخ هو ضعف في إثراء المحتوى على الإنترنت.
ما نحتاجه الآن لإثراء المحتوى السوداني على الإنترنت هو مبادرات عملاقة تعمل على إثراء المحتوى بصورة مبتكرة وجذابة، وكذلك نشاط فاعل للمدونين لتقديم كل ما هو إيجابي ومعرفي عن السودان عبر المنصات العالمية للتدوين أو عبر مواقعهم الخاصة، وكذلك إثراء المحتوى على منصة ويكيبيديا، وأن تخرج الصحافة المطبوعة عن تقليديتها وتقدم صحافة إلكترونية شاملة لا تعتمد فقط على الأخبار والتحاليل السياسية، وأن تكون للمؤسسات العلمية والأكاديمية مساهمتها وأن تنشر البحوث والمعارف التي ظلت دهراً من الزمان حبيسة الأرفف والأدراج.
أن تكون للدولة أدوراً أكبر تجاه إثراء المحتوى على الإنترنت من خلال دعم المبادرات وتقليل أسعار الإنترنت وتنظيم المسابقات وإقامة الفعاليات واستضافة الخبراء وتحويل المكتبات الكبيرة إلى مكتبات إلكترونية. مثالاً: مكتبة الإذاعات والتلفزيون التي تمتلك أرشيفا ضخماً.
وفي أمر المحتوى يجب الاهتمام أكثر باللغات المحلية خاصة في بلد متعدد اللهجات والثقافات مثل السودان نظراً للتطور والاتصال بين الحضارات فإن اللغات المحلية بدأت تختفى وتفنى في مقابل اللغات العالمية والرسمية لذا يجب أن نكون مساهمين في تعزيز الوعي بالتنوع اللغوي والثقافي وتعدد اللغات في هذا البلد. المحتوى هو الملك بما يرسمه من صورة ذهنية متخيلة للباحث عن الدول في محركات البحث بما يجده من معلومات، ولعلنا ندرك شكل السودان على محركات البحث الآن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.