شعار قسم مدونات

لا تُحزِن الثورات

Blogs- القرني

لا تُحزن الثورات يا "قرني" فهي وَحينا الذي لَمْ يُنزل على الأنبياء، وإرادتنا التي ستطوي تاء المَوتِ المفتوحة لتصبح مُغلقة مِثل تاء الحياة. فالثورة أشبه بجبلٍ جليدٍ، في الجمهوريات يكون رأسهُ المُدبب إلى الأعلى، على عكس الممالك والسلطنات، التي يظهر بها على هيئة سطحٍ مستوي. هذا مَا يجعل الجمهوريات أطول عمراً مِـنْ الممالك، فالأخيرة تغرق تماماً بارتفاع بسيط في منسوب المياه، الناجم عَــنْ ذوبان جزء مِـنْ جبل جليدي آخر قد يكونْ جمهورية مجاورة. لذلك لا يجب على الممالك أن تشعل النار في متاع الجمهوريات، حتى وإن كان ذلك بغرض التدفئة.

     

في الجمهوريات وقبل أنْ يختار الشعب مَـنْ يحكمهُ، ويمثله، فهو يختار الطريقة التي سيضحي بها مِـنْ أجل ذلك، ويمعن في انتقاء الأسلوب الذي سيموت به، مِـنْ قائمة طويلة تُشبه تلك القائمة التي كنت تستعرضها الأمس في مطعمك المفضل، بفارقٍ وحيد، هو أن الجمهوريات لا تدعو أحداً لمشاركتها في ذلك. فالثورات مُنتج وَطني لا يُصدر، وحقٌ مقدسٌ التطاول عليه يُمس مئات الآلاف مِـنْ الأرواح، والدوس عليها أو تجاهلها يعني الدوس على جماجم أمة، قدمَ الأبُ فيها روحه قُرباناً لينعم أبنه بحياة كريمة، ويحظى بمستقبل يشبه إلى درجة مَا، المستقبل الذي تحدث عنها أبنائك، في ليلة مِـنْ ليالي هذا الشتاء الذي يلتحف فيها يتيم الجمهورية السماء، في منزلٍ مِـنْ دون سقفٍ وعُمرٍ مِـنْ دون أب.

       
الثَورةُ وقبل أنْ تصبح فِعلاً سياسياً، فهي حالةٌ مِـنْ رِضا الأرض عَنْ الإنسانِ، وبِر الشَعوب بالأوَطانِ، فقضاءُ الثورةِ يكتب قبل قَدر الظُلمِ ، ودمُ الثورة لا يُراق إلا مِـنْ أطهر القلوبِ، ورصاص أعدائها لا يستقر إلا بجماجم المفكرين والأحرار. لا تُحزنْ الثوار والأحرار يا "عائض" فهم قد نذروا أرواحهم وأعمارهم لمقاومة الاستعمار ومجابهة الاستبداد والظُّلم، ولَمْ يفكروا للحظة واحدة أن يورثوا أبنائهم صراع آخر، مع الممالك والإمارات والسلطنات وأشباه الجمهوريات، لقد كانت تركتهم الوحيدة هي الكرامة، وهدفهم العيش جنباً إلى جنب مع قناعات الشعوب الأخرى.

           

لا تُحزن الأرض ولا تتماد مع الإنسان، لنْ تَحزنْ الأرض، ولا القضية ولا الأمة، ونحن نعلم أبجديات الثورة والرفض للواقع
لا تُحزن الأرض ولا تتماد مع الإنسان، لنْ تَحزنْ الأرض، ولا القضية ولا الأمة، ونحن نعلم أبجديات الثورة والرفض للواقع
 

فالضامن الحقيقي لحماية مكتسبات الثورات هي الجمهوريات، ومَا مِـنْ سبيل لتدوم الجمهوريات إلا بدعم واستقرار أنظمة الحكم الملكي، وإلا لما وجد نظام الملكيات الدستورية، بما يمثلهُ مِـنْ خليط بين النظام الملكي والجمهوري على حدٍ سواء، كانت ويتبقى شعوب الجمهوريات، تبارك الممالك، وتحترم السلطنات، وتخشى على الإمارات بنفس القدر الذي تخشى به على أوطانها. ويبقى مَا شهده الربيع العربي مِـنْ حالة حربٍ، مِـنْ طرفٍ الممالك على شعوب الجمهوريات الثائرة، بأسبابها ومسبباتها، لا نزال حتى يومنا هذا، نقنع بها الشعوب، ونُبرر لها مشروعية التخوف، ولَمْ نطعن في عَدالة ومكانة الأنظمة الملكية. 
        
ثورة أكتوبر التي رفضتها بصيغة "مَا نبي" أزاحت مُستعمَراً، جثم على أرضٍ كانت تراه كُــل يوم عدواً، ولَمْ تلبسهُ حلة أصحاب الأرض كما فعل الشريف حسين في الحجاز، عِندما قاتل مع البريطانيين في خندقٍ واحد، في سُمي الثورة (المؤامرة) العربية الكبرى، فأسقط الدولة العثمانية، وفتح الطريق لسايكس بيكو، والقوى الاستعمارية للزحف نحو تراب ارضنا، ونخشى مِـنْ تكرار ذلك اليوم أيضاً، أم أنك ايضاً سترفض التاريخ أيضاً. أثق أنك سترفض ذلك، وستؤكده لندن، وستخزن بذلك مئات السطور في مؤلفاتك ذائعة الصيت. 
          
إنَّي كـ يمني أفاخر بثورة الجزائر مَا عِشتُ وسأعيش، وأحصى شهدائها الذين قضوا مِـنْ دون قبور حتى وأتغنى بثوار مِصْر، وأقرأ الفاتحة على أحرار سوريا والعراق وليبيا وأقف إلى جانب فلسطين، لا تُحزن الأرض ولا تتماد مع الإنسان، لنْ تَحزنْ الأرض، ولا القضية ولا الأمة، ونحن نعلم أبجديات الثورة والرفض للواقع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.