شعار قسم مدونات

الموقف من بشار الأسد

blogs بشار الأسد

دموع حرى ذرفتها عيون ملايين النساء على نصف مليون قتلوا، وعلى ملايين شردوا. ووقف العالم كله يريد رحيل الطاغية. لكنه ظل يحكم. لقد أيده هتلر وموسوليني، وجاءت الحرب العالمية الثانية فأطاحت بهتلر وبموسوليني، وظل الطاغية يحكم حتى بلغ عمره 83 سنة. ومات فرانشيسكو فرانكو على فراشه عام 1975. وماذا عن النصف مليون الذين قتلوا في سبيل الديمقراطية والجمهورية؟ التاريخ بشع. والويل للمنهزم.

 

وبشار الأسد قتل نصف مليونه، وشرد ربع الشعب في الخارج، والربع الثاني في الداخل. واستقبلت أنغيلا ميركل بفرح غامر نحو مليون سوري شاب سيدعمون صندوق التقاعد الألماني المأزوم بسبب شيخوخة الشعب الألماني (يتناقص الألمان بنسبة 2 في الألف سنوياً). وبقي بشار الأسد في الحكم، وتراجع العرب والغرب كلاهما عن التعهد بالإطاحة به.

 

مثلما كان لفرانكو أعداء فإن لبشار الأسد أعداء. ومن السذاجة الاكتفاء بإدانة النظام دون التمحيص في الحرب الأهلية بوصفها نزالاً بين نقيضين. لقد كانت مناجزة بين النظام وبين الإسلام السياسي.

 

سياسياً وبالحسابات المرحلية يبدو أن بشار الأسد باقٍ. وقد حمته روسيا، وحمته الأقليات داخل سوريا وفلول اليسار خارجها، وحماه حزب الله، وإيران، وحماه عرب الخليج
سياسياً وبالحسابات المرحلية يبدو أن بشار الأسد باقٍ. وقد حمته روسيا، وحمته الأقليات داخل سوريا وفلول اليسار خارجها، وحماه حزب الله، وإيران، وحماه عرب الخليج
 

يقول أنصار النظام إنه حكم مدني يواجه إسرائيل والغرب، وإنه خيرٌ محض. ويقول أنصار الإسلام السياسي إن فريقهم بديل جيد للتسلط وإنه ديمقراطي ومدني ويراعي حقوق الجميع. والحقيقة أن النظام حكم طائفي فئوي فاسد، وأن الإسلام السياسي فشل في تقديم برنامج ديمقراطي أو مدني، وتحول بسرعة إلى التشدد الديني.

 

علينا هنا أن نقف وقفة أخلاقية: عندما يكون هناك قتل بالجملة ومجازر لا يجوز بأي حال أن نغفل عن الاعتبارات الأخلاقية. لقد كان النظام السوري مجرماً بحق شعبه. وسيظل هذا الوصف ملتصقاً به حتى لو بلغ بشار الأسد الثمانين من عمره وهو يحكم. لا نلوم الضحية بل نلوم القاتل. ولئن درسنا أسباب فشل الإسلام السياسي فهذا لا يعني أننا نبيح لأنفسنا تشريح الوضع بمعزل عن الاعتبارات الأخلاقية.

 

محاكمة بشار الأسد

* لماذا استعملتَ العنف؟

– الإجابة: لأحمي شعبي من المتشددين.

* فماذا فعلت؟

– الإجابة: قتلت 2% من الناس، وشردت 50%.

* فهل هذه حماية؟

– الإجابة: أصبح البلد أنظف الآن، والذين ذهبوا لا حاجة بنا إليهم.

هذا هو منطق الطغاة. نظام الأسد إقصائي، وهذه علة كبيرة. والفكر السياسي للإسلاميين إقصائي أيضاً. ونحن في الشرق العربي لم نتشرف بعد بحلول الفكر الجامع بين ظهرانيْنا. نتربع في مجالسنا ساعات ونحن نناقش: هل تصلح المرأة لشغل منصب وزيرة؟ وهل يمكن لمسيحي أن يكون رئيساً؟ وهل نمنح الجنسية للعشيرة الفلانية؟

حزب الله يكره إسرائيل حقاً، وإيران تكرهها. الكراهية شيء وتحرير فلسطين شيء آخر. لكن، لا بأس من رفع الشعار، ومن تبني القضية الفلسطينية
حزب الله يكره إسرائيل حقاً، وإيران تكرهها. الكراهية شيء وتحرير فلسطين شيء آخر. لكن، لا بأس من رفع الشعار، ومن تبني القضية الفلسطينية

 

سياسياً وبالحسابات المرحلية يبدو أن بشار الأسد باقٍ. وقد حمته روسيا، وحمته الأقليات داخل سوريا وفلول اليسار خارجها، وحماه حزب الله، وإيران، وحماه عرب الخليج الذين ثبت أنهم قادرون على خوض أزمة هي أشبه شيء بخصومات الأطفال في الحضانة. (ملاحظة: الأطفال في المرحلة الابتدائية لا يصنعون ما صنعته بعض دول الخليج في الأوان الأخير). ولحزب الله معادلة سياسية واضحة، ومعادلة اجتماعية غير واضحة.

 

كان الشيعة في لبنان طائفة فقيرة، وكانت المارونية السياسية بتحالفها مع شريك أضعف هو السنة البيارتة (مثال: شركة طيران الشرق الأوسط) تهيمن على الاقتصاد وتمنع الآخرين من نيل أكثر من الفتات. كان الشيعة (أو المتاولة بالتعبير الازدرائي آنذاك) محرومين ويعانون الإقصاء الاقتصادي والسياسي. ومع الحرب الأهلية اللبنانية دخل الشيعة طرفاً، وجاءت الثورة الإسلامية في إيران سريعاً كي تعزز قوتهم ضمن هذه الحرب.

 

ودخلت سوريا لبنان. ونشأ حلف بين النظام السوري والممثل السياسي للشيعة في لبنان. كانت الحرب الأهلية اللبنانية (دامت 15 سنة حتى 1990) حرب نهوض الشيعة. لا أرى لها وصفاً أصدق من هذا. وتدخلت إسرائيل في لبنان مراراً بمجازر قببيحة، وكان لها ضمن المعسكر المسيحي بعض الحلفاء، ووقف لها حزب الله بالمرصاد. ليس لتحرير فلسطين، بل للإبقاء على نهوض الشيعة داخل لبنان.

 

فلول اليسار الآفل في دول الجوار يؤيدون النظام السوري. وهم يصفونه بكثير من الإجلال بأنه نظام (الممانعة). وهي كلمة مناسبة. هو بإزاء إسرائيل يمانع، فإذا جاءت الصفقة أصبح ما عنده مانع

لكن حزب الله يكره إسرائيل حقاً، وإيران تكرهها. الكراهية شيء وتحرير فلسطين شيء آخر. لكن، لا بأس من رفع الشعار، ومن تبني القضية الفلسطينية. ما المانع؟ وكان حزب الله منضبطاً وشجاعاً في منازلة إسرائيل، وكان جاداً في الحفاظ على مكاسبه داخل لبنان. ولا نلومه على أنه حزب طائفة، فلبنان بلد الطوائف. ودخل حزب الله الحرب الأهلية السورية. دخلها لأن الثورة السورية، التي تصدرها سريعاً الإسلام السياسي، كانت تهدد بإفقاده ظهره السوري.

 

لم يكن الإسلام السياسي بصورته المتشدة قادراً على الخروج من العباءة الطائفية السنية. لم يكن إسلاماً سياسياً فحسب. كان إسلاماً سياسياً وعقائدياً، وطارداً للمذاهب الأخرى. وجاءه الدعم الخليجي فكان معادياً لإيران، وشكل خطراً على حزب الله.

 

فماذا عن العنصر الثالث في الحرب الأهلية السورية؟ ماذا عن جماعة أوروبا وأمريكا الذين ينادون بالديمقراطية في صالونات فنادق الخمسة نجوم؟ ما زالوا ينادون. بعد سنتين من الحرب الأهلية في سوريا كان المفكر السوري صادق جلال العظم جالساً مع جماعة من المثقفين في ألمانيا. وهاتفني صديق من هؤلاء قائلاً: الرجل يقول إن الثورة في سوريا هي ثورة سنية. قلت له: وهذا رأيي أيضاً. قلت هذا عارفاً مدى التغلغل التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين في الشارع السوري.

 

فشل الاتجاه المذهبي في التصدي للاتجاهَ الطائفي. والأمل أن ينضج اتجاه مدني حقاً، لكي يسود المنطقة. فإن تأخر ذلك عشر سنين أو خمسين سنة، وبقي بشار الأسد في الحكم فسيظل بشار الأسد الحاكم الذي شرد نصف شعبه. فلول اليسار الآفل في دول الجوار يؤيدون النظام السوري. وهم يصفونه بكثير من الإجلال بأنه نظام (الممانعة). وهي كلمة مناسبة. هو بإزاء إسرائيل يمانع، فإذا جاءت الصفقة أصبح ما عنده مانع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.