شعار قسم مدونات

فالفيردي لما يفلس!

blogs بوسكيتس

"يمكنك مشاهدة المباراة وعدم ملاحظة دور بوسكيتس، لكن عندما تشاهد بوسكيتس فإنك ترى المباراة كاملة"، لم أجد أفضل من تصريح ديل بوسكي، لوصف أخطبوط باديا، سيرجيو بوسكيتس، أحد أهم لاعبي حقبته، وواحد من المؤثرين في مسيرة ناديه ومنتخب بلاده خلال العشر سنوات الماضية.

 

من دون الكرة، يقف بوسكيتس في المكان الصحيح، يبحث عن الفراغ الشاغر ويغلقه، يغطي خلف زميله المتقدم، ويعود لمساندة قلبي الدفاع عند الحاجة. مع الكرة، يمرر إلى المهاجمين مباشرة، يكسر خطوط الضغط بذكاء منقطع النظير، ويضرب أكثر من خط بلعبة واحدة، على طريقة المحاربين القدامى كما يقول عنه يوهان كرويف في حوار سابق. ورغم أن سيرجيو لا يقارن مع غيره على مستوى العرقلة والافتكاك والحجز، تلك الخصائص المرتبطة بلاعب الارتكاز الدفاعي على مر السنوات، إلا أنه نجح في إعادة تعريف هذا المركز، بشخصيته وحضوره وفهمه لأبجديات التمركز والتموضع، وكأنه ولد مدربا بدون سابق معرفة.

 

(1)

يقول بيب غوارديولا أن فيليب لام هو أذكى لاعب دربه، هنا أختلف معه بشدة، لأنني أعتقد بأن بوسكيتس هو أهم مشروع أنجزه الفيلسوف، والأسباب تتعدى الجانب التكتيكي لتصل إلى التحدي الشخصي. في 2006، مباراة الأرجنتين والمكسيك، شاهد بيب المباراة رفقة خوانما ليو ومارسيلو بييلسا، كانت هناك حالة إعجاب مضاعفة بطريقة البناء من الخلف، والتي طبقها المنتخب المكسيكي مع المدرب الشهير، ريكاردو لا فولبي، والمعروفة تكتيكيا بـ "ساليدا لافولبينا".

 

بوسكيتس بالنسبة لي أفضل من كاسيميرو، وأكمل من توني كروس، لكن خط وسط ريال مدريد أقوى بمراحل من نظيره في برشلونة، لأن التركيبة هي الأساس في المقارنة
بوسكيتس بالنسبة لي أفضل من كاسيميرو، وأكمل من توني كروس، لكن خط وسط ريال مدريد أقوى بمراحل من نظيره في برشلونة، لأن التركيبة هي الأساس في المقارنة
 

مع بدايات الألفية الجديدة، بعد نهاية يورو 2000، طُرد بيب كلاعب من جنة كرة القدم بسبب انتهاء دور لاعب الوسط الممرر، كانت الغلبة لأصحاب القوة البدنية، هؤلاء القادرين على الجري والركض طوال المباراة. قالها الصحافي ماركوتي في إحدى مقالاته، "لم يعد الملعب ملعبك ولا المكان مكانك، عليك أن ترحل لأن كرة القدم باتت بين أقدام النموذج المقابل شكلا ومضمونا".

 

عاد حليق الرأس من باب التدريب، وعادت معه مفاهيم لاعب الوسط القديم من طينة التسعينات، لكن مع ذكاء أكبر ولياقة أفضل، وبدأ يعد فريقه من الخلف لا الأمام، بالدفاع عن طريق امتلاك الكرة وحرمان الخصم منها، لذلك كان بوسكيتس بمثابة الرهان لتحويل الفكرة إلى واقع داخل الملعب. يحكي داني ألفيش عن موقف قديم بينه وبين مدربه الأسبق، حينما قال له سأجعلك مهاجما فذا، ليستغرب البرازيلي ويسأل كيف!؟

 

أجابه المدير الفني بعبارة واحدة، انظر إلى القادم من بعيد، سيرجيو كلمة السر. لم يكن دور الارتكاز الجديد في التغطية الخلفية وقطع الكرات، بل التمركز بين قلبي الدفاع عند بناء الهجمة، ليتم تمديد الملعب قدر المستطاع، وتنطلق الأظهرة إلى نصف ملعب الخصوم. لقد كان الحجر الذي حرك المياه الراكدة، لذلك سيذكره التاريخ، رغم أنف كارهيه.

 

(2)

يلعب بوسكيتس خلف إنيستا وراكيتتش، الأول فنان إسباني لا يشق له غبار، لكن للسن أحكامه في النهاية، بينما الثاني يعاني من انخفاض حاد في الابتكار، خصوصا بعد رحيل نيمار ونهاية عصر الـ MSN

في قمة هذا الأسبوع بين برشلونة وفالنسيا، فتح بوسكيتس خط إتصال مباشر بينه وبين ميسي، رغم تباعد المسافة ووجود راكيتتش البطيء بجواره، وباولينيو الضعيف بالكرة أمامه، وعدم لعب فريقه بأجنحة صريحة على الطرفين، لتكون المهمة شبه مستحيلة في البحث عن المهاجمين، لأن الخصم يدرك جيدا أن ليو هو الحل، ليتم إغلاق الطرق كافة تجاهه، وتركها مفتوحة أمام الآخرين، لإجبار لاعب الارتكاز على لعب التمريرة السهلة، لكن هذا لم يحدث على الإطلاق، حيث أن بوسكيتس اختار القرار الصعب في كل لعبة، ونجح في الوصول إلى ميسي أكثر من غيره.

 

لعب البارسا مضطرا بفيرمايلين إلى جوار أومتيتي، ثنائي دفاعي يلعب بالقدم اليسرى، ليكون البناء من الخلف أمر في غاية التعقيد، لذلك عاد بوسكيتس خطوات للخلف، ولعب على مقربة من حارس المرمى، حتى يساعد في خروج الكرات دون عناء، خصوصا ناحية اليمين، لعدم وجود مدافع يلعب بالقدم المناسبة لهذه الجهة. وحتى من دون أن يلمس الكرة، تجده يهمس لزميله بالتمرير هنا أو هناك، مع سحب لاعبي المنافس ناحيته، حتى يخلق زاوية تمرير جديدة أمام لاعب آخر، مما جعل ضغط فالنسيا يبدو ضعيفا للغاية، في معظم فترات المواجهة.

 

(3)

بوسكيتس بالنسبة لي أفضل من كاسيميرو، وأكمل من توني كروس، لكن خط وسط ريال مدريد أقوى بمراحل من نظيره في برشلونة، لأن التركيبة هي الأساس في المقارنة، بمعنى أن كل لاعب يحتاج إلى ظروف معينة لإظهار أفضل نسخة لديه. تشبه كرة القدم النبتة الوليدة، تظل في حاجة ماسة إلى مقومات خاصة حتى تنمو وتتعايش، وبالمقارنة داخل المستطيل الأخضر، فإن ريال مدريد يملك كوكبة بديعة من النجوم في المنتصف، كروس على مستوى التمرير، كاسميرو في القطع، مودريتش كصانع لعب غير تقليدي، وإيسكو نجم مهاري لا يفقد الكرة، مع بدائل جاهزة كسيبايوس وكوفاسيتش، كل هؤلاء يُكَملون بعضهم البعض، عكس بوسكيتس ورفاقه في كامب نو.

 

يلعب بوسكيتس خلف إنيستا وراكيتتش، الأول فنان إسباني لا يشق له غبار، لكن للسن أحكامه في النهاية، بينما الثاني يعاني من انخفاض حاد في الابتكار، خصوصا بعد رحيل نيمار ونهاية عصر الـ MSN، ليصبح دوره في التغطية الخلفية بلا قيمة، وتتضاعف أهمية تواجده في العمق كصانع لعب إضافي عند الحاجة. ومع ضعف الأجنحة في برشلونة بعد إصابة ديمبلي، فإن عملية خلخلة دفاعات الخصم على الطرفين، للحصول على الفراغ المطلوب في العمق، باتت شبه مستحيلة، كل هذا يجعل مهمة سيرجيو أكثر تعقيدا.

 

"التاجر لما يفلس، يدور في دفاتره القديمة"، مثل شعبي يليق بفالفيردي مؤخرا، فالمدرب أعطى راكيتتش فرصا بالجملة، ومصمم على رمي إنيستا في التهلكة بكثرة الدقائق التي يلعبها، لذلك لا بد من البحث بالأسماء المتاحة
 

يلخص تشافي هيرنانديز هذه المعضلة بطريقة مثالية، عند تحليله لحقبة لويس إنريكي مع الفريق، "اعتاد لاعبو برشلونة على الدفاع بأربعة خطوط من دون الكرة، لكن مع تواجد ميسي وسواريز ونيمار، دافع الفريق بخطّيْن فقط مع تمركز الثلاثي الهجومي في نصف ملعب الخصم، أمور أجبرت الوسط على قطع أمتارا مضاعفة. المشكلة سابقا في نسف المدرب لقيمة الوسط، وحاليا قلت الجودة وانعدمت الخيارات، ليوضع بوسكيتس تحت طائلة النقد مرارا وتكرارا، بالتأكيد يستحق في بعض الأحيان لكنه يتعرض لظلم مبالغ فيه بالأغلب.

 

"التاجر لما يفلس، يدور في دفاتره القديمة"، مثل شعبي يليق بفالفيردي مؤخرا، فالمدرب أعطى راكيتتش فرصا بالجملة، ومصمم على رمي إنيستا في التهلكة بكثرة الدقائق التي يلعبها، لذلك لا بد من البحث في الأسماء المتاحة، لاعب مثل سيرجي روبرتو يستحق أن يشارك كلاعب وسط، على مقربة من الظهير وبوسكيتس، بشكل مائل إلى اليمين، حتى يغطي بجوار الارتكاز عند الحاجة، ويتحول إلى دور الجناح العمق بالتبادل مع سيميدو، كذلك يجب أن يلعب دينيس سواريز دقائق أكبر، حتى يتم تجهيزه ليكون البديل الأول للقائد أندريس في بعض المباريات، وعند تأزم النتيجة كما حدث أمام فالنسيا وخيتافي من قبل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.