كمسلم من الطبيعي جداً أن أرى أن الإسلام هو الحل، وأن في شمولية الإسلام كدين ونظام حياتي متكامل قابل للتجديد في النواحي المتغيرة من الحياة، حلولاً لكل المشكلات التي يعاني منها هذا العالم، كما أن مرونة هذا الدين أمام التطور والتغير بحسب الظروف المحيطة به، بما لا يخل بأصوله التي تتناسب مع أصل الخلق وتضمن استمراره بأبهى صورة حضارية، مساحة كبيرة لاستيعاب كل ما هو جديد في الدنيا. ولكن.. ماذا لو لم أكن مسلماً، أو كنت ممن يؤمن بالتفريق بين الدين والدنيا، أو شاباً يلهث وراء أسئلة وجودية لا يجد من يجيبه عنها بغير المغيبات التي لا يعتقد أنه مضطر للإيمان بها، كيف سأصل إلى هذه القناعة؟!
ببساطة جداً ربما يجيب أحدهم: عليك أن تسلم أولاً، أن تدخل هذه التجربة لتختبر صحتها، أو عليك أن تقتنع بشمولية الإسلام وأنه يشمل الدين والدنيا معاً، ثم تتبين أين يكمن ذلك، أو ربما عليك أن تدرك ببساطة أنّ شرط الإيمان هو وجود الغيب، وإلا لماذا يسمى إيماناً! ببراءة وبدون الدخول في التفاصيل المعقدة، (هيا بنا نفعل ذلك)، أن نحاول اختبار التجربة، ضمن هذه الفرضيات الثلاث، مع التسليم أنها غيض من فيض كبير من الفرضيات التي يمكن طرحها عندما تتصدر عبارة "الإسلام هو الحل"، تلك العبارة التي لا يفهمها إلا المسلمين أنفسهم، وباختلافاتهم التي تشبه اختلافات المؤمنين بأديان أخرى، كل منهم يشعر أن الحل فيما يؤمن به وبالطريقة التي يقتنع هو بها دون أن تقنع الآخرين.
فالحل بالنسبة للبوذي مثلاً يكمن في الإيمان في التعاليم البوذية وفي الحياة البسيطة التي لن تخلق في ذهنك أي مشكلات أصلاً، وترك الدنيا وراء ظهرك ينتهبها الطامعين بها، بينما تقضي حياتك في التعبد والروحانيات إلى أن يأتي الموت الذي ينقلك للخلود، والمسيحي ربما يمتلك نظرية مشابهة تخصه وتخص قناعاته، كذلك بالنسبة لليهودي والهندوسي و… المسلم.
جزء من نظرية أن "الدين هو الحل" يتكئ على قناعة الشخص بحتمية المسلمات التي يقدمها الدين الذي يؤمن به، فبينما يسعى المسلم- كما فعلتُ بدايةً- لكي يبرهن على منطقية دينه، وتفاعله مع الحياة، وتقديمه حلولاً لكل ما يصادفها من مشكلات وتغيّرات، ويؤكد على التجديد الذي ضمِن صلاحية هذا الدين لما تبقى من الدنيا على اتساعها، وينجح في ذلك كما أعتقد أنا مرةً أخرى "كمسلم"، يختصر أحد المؤمنين بدين آخر القضية كلها بإيمانه، وترك الدنيا، ولعن المنطق، لأنه سبب الشرور في الدنيا، والدعوة إلى الحياة البسيطة التي ستجلب الأمن والسلام والراحة ويؤلف النظريات المقنعة لأمثاله في ذلك، والتي لن تستطيع ضحدها، فإيمانه (الجزء الغيبي منه) سيواجهك دائماً.
سأعود لاختبار التجربة التي تحدثت عنها قبل قليل، ولكني سأضطر للتوقف بداية لاختيار الإسلام الذي أريد أن أؤمن به، فمجرد أن تقرر الإسلام ليس كل شيء، ستفاجأ بفيض من الإسلامات اللامتناهي، الذي ربما يكون قريباً جداً من عدد الدول الإسلامية أو الفرق التي تعلن انتمائها للإسلام، ولكنها مختلفة إلى حد التكفير، فأي إسلام منها هو المتبع، وأي إسلام هو الحل. هذه معضلة، كيف يمكنني الاختيار، إنهم يتقاتلون، بل ويكفرون بعضهم، كل تيار مليء بالمنظرين الذين ينتصرون له، ويسوقون من أجله الحجج والبراهين.
سأتوقف هنا، جميل، هناك براهين إذن، الأمر يبدو سهلاً، سنفاضل بينها، لا بد أن هناك أدوات قياس معينة ستخبرنا عن هذه البراهين وأيّها أفضل. لا يجب أن تعتمد هنا على العقل فقط، فالعقول آلات مُبرمَجة بحسب الثقافة والعادات والتقاليد، والحالات الإيمانية السابقة، لذلك لا يمكن الوثوق بها لإعطاء نتائج حاسمة، غير ذلك فمختلف هذه البراهين نتجت عن عقول، فهذا دليل على قصور العقل وحده للوصول للصواب، ولا يمكن أن أُلزم أحد بنتاج عقليَ الخاص مهما كنت بارعاً إلا من خلال التجربة التي يرتضيها، والتي للأسف هي غير متوفرة إلى الآن. ولكننا سنحدد الإسلام الحل بين هذه الإسلامات ونعمل على توفير التجربة من أجل الأجيال اللاحقة، أليس كذلك؟! سمعت قارئاً يقول تباً لك، أنت تساهم في إخراج المسلمين عن دينهم عندما تثير أسئلة بدون إجابات، سأرد عليه بل تباً لأولئك الذين يفترضون أن على الأديان أن تجيب عن كل الأسئلة.
أصل الدعوة على هذه الأرض هو التدافع المستمر لتمييز الصواب، وليس فرض النظريات التي تدعي الصواب، الدين ليس نظرية، أنه حالة من التدافع التي تتغير دائماً |
ليست مهمة أي دين أن يجيب على تساؤلات البشرية جمعاء، وليست مهمته أن يقدم حلولاً كاملة، إن الدين أنزل على البشر لاختبارهم، وليس ليكون حلاً نهائياً خالصاً، إنه يحوي من المواد المقنعة ما يكفي لمن ألقى السمع وهو بصير، ولكنه لا يشغل نفسه بمن يبحث عن الطريق للخروج من الدين، إنه وجد لمن يبحث عن الهداية وليس لمن يبحث عن الضلال من أجل إقناعه، فلو شاء لهداهم جميعاً، ولكنك لا تهدي من أحببت، كمسلم أرى أن الإسلام هو الحل عندما يكون إسلاماً واحداً موحداً، بفهم جمعي لا يحوي تباينات هائلة، أما أن تحوي رقعة صغيرة من الأرض من الفهم الديني للإسلام ما يجعل بها تياران يصليان في مسجد واحد ثم يقتتلان بسبب قانون يدعي تيار أنه يوافق الشريعة بينما يدعي تيار آخر أنه يخالفها، فلا يمكن أن تكون هذه الشريعة إلا سبباً في نشوء الاقتتالات. أما أن يكون الإسلام هو الحل، فعلينا فورا أن نحدد أي إسلام، السلفي، الصوفي، العلمي، المذهبي، اللامذهبي، القرآني… ولن تنتهي من التحديد.
ما أومن به حقاً أن "الإسلام في أصله هو الحل أما هذا الفهم المتضارب ليس سوى المعضلة"، وهذا يخصني كمسلم، ليست مهمتي إيجاد نظرية تثبت للآخرين ذلك، وإنما مهمتي الكفاح من أجل إثبات ذلك في التجربة، التي سأغير الاجتهاد بها مراراً لكي تلائم الحل الأمثل، وسأضع لمن بعدي قواعد هذا التغيير الذي سيوصلهم لحلول تناسب أزمانهم القادمة.
فأصل الدعوة على هذه الأرض هو التدافع المستمر لتمييز الصواب، وليس فرض النظريات التي تدعي الصواب، الدين ليس نظرية، أنه حالة من التدافع التي تتغير دائماً، تبعاً لظروف الناس، لأنه أنزل على البشر، وهم الموكلون به، وليس العكس، هم من عليهم أن يحسنوا فهمه لسياسية الدنيا به، ولن يسوس الدين الناس في الدنيا، العقيدة هي الثابت الوحيد، ولن أتوقع أن أصل إلى شكل من الفهم الإسلامي يسود مئة عام قادمة، فالتسارع في الحياة يعني تسارعاً في الاجتهاد الذي يجدد الدين دوماً، ليلائم الحياة وليس العكس، أن تلائم الحياة الدين.
كمسلم هذا ما اقتنع به وادعوا له على بصيرة، ولا أدعي أنه فهم حاسم ونهائي، وبمثل هذا الفهم لحركية الدين واتساع فهمه وتقبل الخلافات فيه، ونبذه للجريمة والاقتتال بسبب الخلاف، وسياسة الدنيا بالدين عندما نحسن فهم شموليته، واتساعه لاستيعاب تغيرات الدنيا، وسعيه لينبعث من الناس بعد أن يبعثهم، لا أن يكون سيفاً مسلطاً عليهم، وفي تقديسه للحريات وفي… إلخ
بمثل هذا أعتقد أن الإسلام هو الحل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.