وفي المقابل عندما نبحث عن عبارة "حقوق الرجل في الإسلام" نجد أن هناك فقط بضعة آلاف من النتائج. وبنفس الطريقة عند البحث في اليوتوب عن هاتين العبارتين نجد أن المقاطع التي تتعلق بحقوق المرأة تتجاوز الخمسة والثمانين ضعفاً المقاطع التي تتحدث عن حقوق الرجل. وعند البحث عن عبارة "واجبات المرأة في الإسلام" و "واجبات الرجل في الإسلام" فالوضع أكثر من مأساوي.
ونتائج البحث البسيطة هذه توضح عمق الأزمة التي تعيشها مجتمعاتنا الإسلامية في قضية التعاطي مع المسائل التي تتعلق بالمرأة.وفي المقابل نجد أن هناك شريحة عريضة من الدعاة والعلماء "المعتدلين" الذين يعملون جاهدين من خلال وعظهم وخطابهم على إظهار البعد الحضاري للإسلام وأنّ للمرأة ما للرجل من حقوق وواجبات وتتساوى معه في كل المسائل اللّهم عدا بعض المسائل التي يكون فيها بعض النقاش. فمن حقها أن تخرج للعمل والدراسة والتنقل والسفر، وأن تشارك الرجل في مختلف الأعمال والوظائف وأن تتحمل مسؤولياتها وقراراتها كما يتحملها الرجل فهي والرجل سواسية في الحقوق والواجبات.
ما أجمل هذا الخطاب ولكن ماذا عن الواقع؟ وأود هنا أن أتحدث عن واقع المجالس الدينية ومدى تطابق حالها مع الخطاب المناصر للمرأة، هذا الواقع الذي يستطيع هؤلاء العلماء والدعاة "المعتدلون" التخطيط له بملء إرادتهم وليس واقع المجالس التي يتحكم بها وليّ الأمر وسياساته. وعليه فمن الطبيعي والمنطق أن تحمل هذه المجالس القيم التي يؤمن بها هؤلاء العلماء ويتحدثون عنها في خطاباتهم ومحاضراتهم، من دورفاعل للمرأة جنباً إلى جنب مع الرجل في مختلف المجالات والتي من الطبيعي أن يكون من بينها المجال الديني.
وفي نظرة سريعة لهذا الواقع نجد أنه في كل عام يتخرج من كليات الشريعة والدراسات الإسلامية آلاف الطالبات، وهذا يعتبر بحد ذاته معياراً لإمكانية توفر النساء المؤهلات اللواتي لديهنّ الكفاءة الشرعية، ولكن المفاجأة الكبرى أنك لا تجد لهنّ تمثيلا داخل المجالس الدينية وإن وجد فإنه يكون شكلياً. ففي أوروبا مثلاً والتي عادة ما تولي دولها عناية كبيرة لأهمية قيمة المساواة بين الرجل والمرأة لما لها من بعد حضاري وإنساني، نجد أن تمثيل المرأة في مجلس ومن أهم وأكبر مجالس أوروبا الدينية وأكثرها "اعتدالاً" تمثيلاً صفرياً فما بالك بالمجالس الأخرى.
هذا الخطاب المثالي المنعزل عن واقعه وعدم وجود رؤية وآليات في الأفق لتحسين هذا الواقع، يرسّخ الصورة النمطية التي تقول إن هذه المجالس الدينية هي أندية للرجال، كما أنها تصيب النساء المؤهلات شرعياً بالإحباط حتى إن إحدى النساء ذكرت لي أن الخوض في أمر المشاركة يجعل المرأة أمام مواجهة صعبة من أطراف عديدة أحدها مع المجتمع المسلم، الذي ما زال يعيش تيار كبير منه على الثقافة التقليدية التي ترى أن للمرأة درجة أقل من الرجل.
هذه الإشكالية المجتمعية الكبيرة المتمثلة في تجربة المجالس الدينية التي تفتقد إلى البعد الحضاري تطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة هذا الخطاب الديني ومدى تأثيره في ثقافة المجتمع، وهل يمكن أن يملك هذا الخطاب ومن يقف من ورائه من دعاة وعلماء آليات وإجراءات وإرادة لنقله من فضاء الخطاب إلى فضاء الواقع والفعل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.