شعار قسم مدونات

اليمن في عهد الراقص على رؤوس الثعابين

مدونات - علي عبد الله صالح اليمن
قال علي عبد الله صالح ذات يوم أن حكم اليمن كالرقص على رؤوس الثعابين، وهي مقولة حظيت بالكثير من الإعجاب، إذ أنها مثلت إحدى أهم التجليات السياسية في لحظة مكاشفة صريحة مع النفس والمجتمع، وسواء كان غرض صالح مدح نفسه بالعبارة أولم يقصد، فقد حملت وصفا دقيقا لمشهد الحكم في بلد تتقاذفه الصراعات السياسية والولاءات القبلية من شماله إلى جنوبه.

تولى الرجل قيادة دولة الشمال في مرحلة مزدهرة بالحقائب المفخخة، وولائم الغدر القذرة، ناهيك عن الانقلابات التي كانت تطل برأسها بين فترة وأخرى فتسقط حاكما وتُنصّب آخر وفقا لما تمليه القوى المحلية والإقليمية المسيرة للشأن اليمني، وقد واجه الرجل أول محاولة انقلاب على نظامه في (أكتوبر/تشرين الأول) 1979م دبرها مجموعة من الضباط الناصريين بتمويل ليبي، واستطاع أن يفشل المحاولة استنادا لفطنته المعهودة ومكره اللامتناهي، تلك المحاولة الانقلابية أوجدت لصالح مبررا في إسناد المناصب القيادية للجيش والأمن إلى شخصيات من أسرته وأقاربه ليحكم بذلك قبضته الحديدية على جمهورية الشمال الفتية.

في 22 مايو 1990م قامت الوحدة اليمنية بين شطري اليمن، وخرجت بقرار توافقي تم بموجبه تنصيب علي عبد الله صالح رئيسا لدولة الوحدة وعلي سالم البيض نائبا له، إلا أن الخلافات ما لبثت أن طفت على السطح بين الرجلين، بعد فترة قصيرة على قيام دولة الوحدة، وأدت نرجسية صالح، ومخاوف البيض إلى تفاقم الأزمة بين الطرفين، ليتبعها نزاع دامي في صيف 94 الأليم حسمته الظروف والمواقف الدولية لصالح علي صالح وبقيت الوحدة من ذلك التاريخ معمدة بالدم كما يردد صالح في خطاباته.

أنشأ صالح دولة الوحدة على أسس عسكرية ووفق مبادئ قائمة على الولاءات والمحسوبية وأهمل الاقتصاد والتنمية وظل يعزز قوته العسكرية بصفقات السلاح، على الرغم من تزايد معدلات الفقر والبطالة في صفوف اليمنيين، وتدهور الأوضاع الصحية والاجتماعية في البلاد، الأمر الذي ساهم في بروز كيانات سياسية وجماعات دينية معارضة لنظام حكم صالح أهمها الحراك الجنوبي الذي ينادي بدولة جنوبية مستقلة عن الشمال اليمني الخاضع للنفوذ القبلي والعسكري، وجماعة الحوثي التي برزت كطائفة شيعية تطالب بتوزيع عادل للثروة وإشراكها في الحكم، وكذلك تنظيم القاعدة الذي قدم نفسه كتيار أصولي يحارب مفهوم الدولة المعاصرة ويستهدف المصالح الأجنبية في البلاد. تلك الكيانات المسلحة ورغم تهديدها المباشر لنظام صالح، إلا أن الرجل وظف أنشطة أبرزها ليقدم نفسه للمجتمع الدولي كدرع منيع في الحرب على الإرهاب، خصوصا بعد هجمات الحادي عشر من (سبتمبر/أيلول) 2001م، وحرك قواته لمحاربة تلك الجماعات، وتمكن بالفعل من كسب الغرب وأوروبا إلى صفه وحصل على دعم سخي من واشنطن لتعزيز جهوده في القضاء على أنشطة تنظيم القاعدة في البلاد.

 

اليوم يعول معارضي صالح والتحالف على رقصة أخرى لصالح على رؤوس حلفائه الحاليين -الحوثيين- باعتباره موهوبا في هذا المجال
اليوم يعول معارضي صالح والتحالف على رقصة أخرى لصالح على رؤوس حلفائه الحاليين -الحوثيين- باعتباره موهوبا في هذا المجال
 

كان صالح يجيد اللعب على المتناقضات فقد تحالف مع الاشتراكيين قبل الوحدة وانقلب عليهم بعدها، وتحالف مع الإخوان المسلمين في حربه ضد جماعة الحوثي وانقلب عليهم قبل فترة وجيزة من ثورة فبراير 2011م، ليتحالف مع الحوثيين ضد الإخوان لاحقا، وعندما طل الربيع العربي وجد صالح نفسه محاصرا بالخصوم والمعارضين، إضافة إلى الشباب العاطلين وطبقات المجتمع الفقيرة التي تدافعت كلها إلى ميادين الاحتجاجات السلمية بغية في إنهاء حقبته البوليسية الزاخرة بالفساد والقمع والأزمات، وبالرغم من الغطاء العسكري والنفوذ القبلي الذي يتملكه صالح، ورغم محاولة الاغتيال التي استهدفته مع أغلب رموز نظامه في جامع دار الرئاسة ،إلا أنه أضطر للتخلي عن الحكم وفق المبادرة الخليجية التي جاءت لوضع حد للتوتر القائم بين نظامه من جهة والمعارضة والثوار من جهة أخرى.

سلم صالح السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي في حفل كبير أمام أنظار العالم كله، لكنه ظل اللاعب الأبرز في المشهد السياسي اليمني نتيجة تغول نظامه في مختلف مرافق الدولة، واستطاع لاحقا الانتقام من معارضيه بتواطؤه مع جماعة الحوثي التي ابتلعت الدولة في لحظة وقفت فيها دولة هادي وحكومة الوفاق عاجزين عن الدفاع عن هوية الدولة تحت وطء تنصل قوات صالح عن التعاون مع هادي في ذلك المنعطف الخطير. 

تحالف صالح بعد ذلك مع الحوثيين وفر هادي وقوى المعارضة إلى السعودية، وجاءت السعودية بتحالف كبير تحت يافطة استعادة الشرعية استباحت به البلاد ونفذت آلاف الضربات الجوية على مرافق ومنشآت الدولة وارتكبت مئات المجازر ضد مدنيين عزل ليظل الوضع على ما هو عليه بعد قرابة ثلاثة أعوام من العمل العسكري في اليمن. 

اليوم يعول معارضي صالح والتحالف على رقصة أخرى لصالح على رؤوس حلفائه الحاليين -الحوثيين- باعتباره موهوبا في هذا المجال، خصوصا في ظل الحديث عن الخلافات القائمة بين الرجل والحوثيين، رغم أن تلك الأحاديث قديمة قدم التحالف نفسه، وتختلط فيها الحقائق بتمنيات الخصوم، لكن التحالف والمعارضين يدورون في فلك تلك التعويلات لإيمانهم

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.