شعار قسم مدونات

المسؤولية الدولية عن استخدام الطائرات بدون طيار

Blogs- طائرات
أٌثيرت في الآونة الأخيرة قضية استخدام الطائرات بدون طيار والمعروفة باسم "الدرون" في الحدود بين الدول (بعص الصحف المغربية نشرت أن القوات الجوية الإسبانية ستعزز أسطولها الجوي بطائرات الدرون في الحدود الجوية مع المغرب). وبصرف النظر عن المواقف السياسية والعلاقات الدبلوماسية، فإن مسألة استخدام الطائرات بدون طيار تستدعي مناقشة قانونية من وجهة نظر القانون الدولي.
           
تمنع القوانين الوطنية لغالبية دول العالم استخدام الطائرات بدون طيار، وهي طائرات غير متاحة إلا في عدد قليل من دول العالم، واستخدامها يقتصر على الدول فقط مع بعض الاستثناءات، ويرجع السبب إلى كون هذا النوع من الطائرات اخترع في الأصل للاستخدام لأهداف عسكرية وشبه عسكرية، قبل أن يتطور استخدامها في المجالات المدنية، بما فيها التصوير الفوتوغرافي والاستطلاعات وإنجاز الأفلام الوثائقية وحتى السينمائية، لكن في السنين الأخيرة لوحظ استخدام هذه الطائرات بشكل أكبر، ولاسيما على مستوى مراقبة الحدود، والتجسس أحيانا لدول على دول أخرى، وهو الأمر الذي يطرح معه سؤال المسؤولية الدولية عن هذا الفعل، وهل يشكل فعلا غير مشروع في نظر القانون الدولي، يوجب معه تحريك المسؤولية الدولية للدولة الصادر عنها هذا الفعل.
        
ما من شك أن كل دولة مستقلة تتمتع بالشخصية القانونية الدولية، لها سيادتها على إقليمها، ويشمل إقليم الدولة وفق القانون الدولي، إقليمها البري والبحري والجوي، وهو ما يستتبع أن الدولة لها كامل الصلاحية في فرض سلطتها على الإقليم بما يشمله ذلك من مراقبة الحدود، وذلك في نطاق احترام أحكام القانون الدولي والعلاقات الدولية، وينتج عن هذه المسألة أحقية الدولة في التصدي ومواجهة أي خرق غير مشروع لحدودها سواء البرية منها أو البحرية أو الجوية، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية لرد الخرق في نطاق دائما أحكام القانون الدولي والإجراءات والمساطر التي يقتضي سلوكها في مثل هذه الحالات.
        
إن الفعل غير المشروع يشكل الأساس القانوني الموضوعي لإقرار المسؤولية الدولية عن استخدام الطائرات بدون طيار

وإذا كانت هذه النتيجة القانونية بديهية في حالات الخرق الواضحة التي تمس حدود الدولة، حيث يتبين مصدر الخرق ومن يقف وراؤه، فإن الأمر بالنسبة لحالات استخدام الطائرات بدون طيار تطرح صعوبة وإشكال قانوني حقيقي، فقد يتم خرق حدود الدولة بواسطة هذه الطائرات التي قد لا تعرف جنسيتها في غياب طيار يقودها، وفي غياب أي معلومات حول مصدرها، خاصة وأن هذه الطائرات يمكن برمجتها وتوجيهها عن بعد بمئات الكيلومترات، ومن هذا المنطلق تنبع خطورة استخدام هذه الطائرات لأهداف غير مشروعة، والمأزق القانوني الذي يواجه إثارة المسؤولية الدولية عن هذه الأفعال.

        
إن انتهاك السيادة يشكل بحد ذاته فعل غير مشروع، ويترتب عنه إثارة المسؤولية الدولية، من منطلق مبدأ تقرير المسؤولية عن الأفعال غير المشروعة دوليا، الذي تم إقراره على مستوى القانون الدولي كمبدأ أساسي من المبادئ العامة للقانون الدولي، وهو المبدأ الوارد في المشروع النهائي للجنة القانون الدولي حول المسؤولية الدولية، الذي نص في مادته الأولى على أن "كل فعل غير مشروع دوليا تقوم به الدولة يستتبع مسؤوليتها الدولية"، وأضافت المادة الثالثة من المشروع أن "وصف فعل الدولة بأنه غير مشروع دوليا أمر يحكمه القانون الدولي، ولا يتأثر هذا الوصف بكون الفعل ذاته موصوفا بأنه مشروع في القانون الداخلي". ويبقى الإشكال حالة استخدام طائرات "الدرون" لخرق الحدود كفعل غير مشروع، الذي قد لا تعرف الدولة صاحبة الفعل، حيث نكون أمام وقوع ضرر وإخلال خطير ممثل في انتهاك السيادة، في ظل عدم تبيان المتسبب في الضرر. ويبقى احتمال اتهام الدولة المتضررة لدولة طرف آخر بالانتهاك والخرق لحدودها، لكن ومع ذلك يبقى تكييف هذا الاتهام مجرد اتهام، ماعدا لو ثبت للدولة المتضررة وبحجج دامغة المتسبب في الخرق، حيث تملك والحالة هذه إثارة المسؤولية القانونية الدولية للدولة التي قامت بالفعل غير المشروع.
         

 يصعب تحديد إثبات الفاعل، خاصة مع تطوير هذه الطائرات مع التطورات التكنولوجية الحديثة وما أتاحته من تقنيات هائلة تجعلها آليات يتحكم فيها عن بعد، ويصعب إخضاعها للمراقبة الدولية.
 يصعب تحديد إثبات الفاعل، خاصة مع تطوير هذه الطائرات مع التطورات التكنولوجية الحديثة وما أتاحته من تقنيات هائلة تجعلها آليات يتحكم فيها عن بعد، ويصعب إخضاعها للمراقبة الدولية.
 

إن فرضية عدم تبيان المتسبب في الضرر حالة استخدام الطائرات بدون طيار، ورغم كونها قد تطرح بقوة ومسألة واردة من الناحية العملية، فإن البحث في أوجه الفعل وجوانبه العلمية والعملية، قد يحدد مصدر الفعل، والذي قد ينتج عن تصرف شخص أو مجموعة أشخاص، وهنا تبقى المسؤولية قائمة، وذلك في الحالة التي يكون فيها هذا الشخص أو مجموعة الأشخاص قد قاموا بالفعل بناء على تعليمات الدولة، أو بتوجيهات منها أو تحت رقابتها، حيث تضحي الدولة المعنية مسؤولة دوليا عن الفعل غير المشروع، وفقا لمقتضيات القانون الدولي.

          
لا مناص إذن من القول أن النظام القانوني للمسؤولية الدولية يبقى قاصرا في مثل حالة استخدام الطائرات بدون طيار، في ظل الصعوبة الواقعية التي يطرحها هذا الاستخدام الذي ينتج الأضرار كما هي معرفة وفق القانوني الدولي، وفي المقابل لا يسمح بمعرفة المتسبب في هذه الأضرار، الذي يبقى في حكم المجهول في غياب المعطيات والمعلومات التي يمكن من خلالها تحديد مصدر الضرر، والدولة التي قامت بالإخلال الخطير بانتهاك السيادة، في خرق لقواعد القانون الدولي، وللأعراف الدولية المتعارف عليها في العلاقات الدولية، ومتى تبين العكس فإن الفعل غير المشروع يشكل الأساس القانوني الموضوعي لإقرار المسؤولية الدولية عن استخدام الطائرات بدون طيار.
            
إن الممارسة الدولية تبين أن الدول تكتفي بالقضاء على هذه الطائرات عند خرقها لحدودها من خلال إسقاطها وتفجيرها، ولا تلتجأ إلى الطرق القانونية لإثارة المسؤولية الدولية عن الفعل، ربما كما سبق التأكيد على ذلك لصعوبة إثبات الفاعل، خاصة مع تطوير هذه الطائرات مع التطورات التكنولوجية الحديثة وما أتاحته من تقنيات هائلة تجعلها آليات يتحكم فيها عن بعد، ويصعب إخضاعها للمراقبة الدولية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.