في الواقع إن القراءة تمثل لفئة ليست بالقليلة مجرد هواية فقط لا غير، لاستغلال أوقات الفراغ مثلها مثل أي هواية أو أي نشاط آخر كالرياضة أو كالتأمل أو كمشاهدة التلفاز مثلا. لذلك بعض القراء “البسطاء” تقتصر قراءاتهم متعمدين على بعض الروايات الدارجة ذات اللغة البسيطة التي قد نصحهم بها بعض الأصدقاء أو لأنها الأكثر مبيعا في المكتبات المحلية.
ليس جميع القراء قادرين أو راغبين حتى بقراءة كتب جان بول سارتر أو فوكو أو ديكارت أو فولتير، حتى إن أنهم قد لا يرغبون بقراءة كتب فكرية وفلسفية ليصبحوا مثقفين حقيقيين بل تكفيهم تلك الروايات البسيطة والعاطفية، ولا يهتمون حتى بتذكر تفاصيل الكتب التي يقرؤونها بعد الانتهاء منها ولا يهتمون بنقد الكتاب فنيا ولا أدبيا بل إنهم يكتفون بالساعات القليلة التي استمتعوا بها بصحبة الكتاب.

تستفزني أيضا الصورة التي يرسمها هؤلاء “للقارئ والمثقف الحقيقي“ الذي يجب أن يكون إنسانا انطوائيا وحيدا يدخن سجائره ويحتسي قهوته في المقاهي الشعبية ويتشدق بمصطلحات فلسفية ليبرز مدى عمقه وثقافته. هل يا ترى قراءة الكتب حكر عليهم؟
أيهما أفضل! أن يجتمع الشباب في مقاهي فاخرة لمناقشة كتب غير عميقة بطريقة سطحية أم أن يجتمعوا في نفس المقاهي الفاخرة لإضاعة الوقت بلعب الورق وتدخين الشيشة. ثم ما هي هيبة الكتب التي يخشى عليها “القراء الحقيقيون” أن تختفي ولماذا الخوف على القصور العاجية والصورة النمطية للكتاب التقليديين “غير السطحيين”، لماذا الخوف من ظهور كتاب شباب يلتقطون صور سلفي ويجتمعون مع قراءهم غير العميقين في مقاهي فاخرة.
أي نعم أقر أن هناك الكثير من الروايات والكتب البسيطة تتصدر المشهد حاليا ولاقت إقبالا كبيرا جدا، لكن قراءة الكتب البسيطة هذه والتي يبدأ بها القراء عادة قد تفجر مواهب وفنون وقدرات أدبية عظيمة، فنيوتن مثلا أضاع سنين من عمره محاولا فك رموز عددية في الكتب المقدسة وهو ما يعتبره كثيرون الآن سخافة، لكن سخافة نيوتن هذه نقلته لأعمال عظيمة وإنجازات خالدة، فلا يجب استصغار هذه الأعمال البسيطة والسخرية منها.
بعض أنواع الموضة مضرة اجتماعيا؛ لكن إن أردنا وصف القراءة بوصف "موضة" فإنها موضة إيجابية، يجب أن يسعد "المثقفون الحقيقيون" برغبة هذا الجيل في القراءة، لكن إن وجدنا أن قراءاته "لا تحطم بحار الجليد" فلا يجب السخرية منه ومنعه من القراءة بل يجب توجيهه.
كتب الدكتور أيمن العتوم في إحدى تدويناته أن ليس السؤال (لماذا نقرأ؟) بل (لماذا لا نقرأ؟).