فإذا كانت هناك شكوك قوية في زعامة جمال عبد الناصر نفسه الذي لعب على سذاجة الفلاح المصري، كيف يمكن أن نضفي صفة القائد على رجل وضع مصيره الشخصي ومصير الوطن بين يديه، وتخلى عن جميع صلاحيته كرئيس حكومة، وخضع لجميع الابتزازات، وشارك بوجه مكشوف في ردة اقتصادية لا شبيه لها، سواء على صعيد مديونية خزينة الدولة أو على صعيد الادخار الفردي ومستوى المعيشة؟ الأمر حقا يحتاج إلى وقفة تأمل ودراسة وغربلة .
من أبسط شروط القيادة والزعامة الكاريزمية، الكاريزما لا تعني بناء الشخصية وتكوينها ذاتياً بقدر ما تعني قدرتها على المحافظة على وهجها مع مرور الوقت. فبعيداً عن الشروحات الساذجة لمفهوم القيادة، أن زعيما مثل المهاتما غاندي لا يمكن لاثنين أن يتنازعا في قيادته، نفس الشأن مع الزعيم نيلسون مانديلا، أو لوثر كينج أو فيديل كاسترو، ومحمد بن عبد الكريم الخطابي والزعيم ياسر عرفات. فهؤلاء لم يسقطوا يوماً. حتى الزعيم الفلسطيني لم يستسلم وهو في أشد المواقف انكساراً وضعفاً.
فهل يمكن أن نقارن السيسي بهؤلاء؟ أم نضمه إلى زمرة القادة المغاربة، كامير الريف وعبد الرحيم بوعبيد وعلال الفاسي؟ يمكن أن نعذر أتباعه من تمثيله في أي صورة يختارونها، هل تدرون بمن قارنوه؟! بموخيكا؟ هذا الزعيم الذي اقتسم أجرته مع الفقراء، ورضي العيش في شبه كوخ، يا للمهزلة!
لكن أن تأتي صفة القيادة من محسوبين على الثورة، فإن ذلك يمثل منتهى الابتذال والانكسار. ذلك أن هدف الثائر أن ينشد من أولوياته ما ينشد العدالة الاجتماعية، وتوزيع ثروات البلاد على الشعب توزيعا عادلاً، وإشراف الدولة على جميع قطاعات الإنتاج الحيوية والمصيرية، فهل هذه الدروس البسيطة تم نسيانها؟
في حين لم يعمل السيسي إلا مزيداً من الشروخات الاجتماعية الواضحة، تجميد الأجور، الرفع من أثمان المواد الحيوية والأساسية والسلع، التواطؤ لأجل الرفع من سعر المواد البترولية، ومن أثمان الماء والكهرباء، الزيادة من نسبة الاقتطاعات، وتخصيص الوظائف لأتباعه من الجيش، وسرقة مدخرات صندوق تحيا مصر، وفشل مشروع قناة السويس التفريعة.
فهل هذه هي المشاريع المنجزة والضخمة التي على أساسها يمكن منحه صفة القيادي، أم أن بالعيون قذى، والذهن قد تجمدا. ولست أدري لِمَ أجمع كثير من المفكرين على استغباء السياسي، وعلى رأسهم جورج اورويل. وإذا كان رجل السياسة كائناً غبياً بدرجات صادمة، فكيف سيكون من يكتب عنه، أي أولئك الذين يصفون أنفسهم بالنخبة والطليعة والصفوة من المثقفين؟ سؤال ضخم يشبه قنبلة نيتروجية تنفجر في وجه واقعنا البائس.
طبعا يمكن استساغة نعت السيسي بالقيادي بالنسبة لأتباعه كما سبق، لكن أن يتواطأ محسوبون على الثورة على نفس النعت والصفة، فإن التواء حادا يحدث في ذهنية بعض المتابعين الحذرين واليقظين ليتساءلوا عن الدوافع الحقيقية لمثل هذا الانزلاق الخطير. هل هي دوافع ذاتية مرضية للعصاب الذهني، أم هي حالة انتقام متأخرة وطافحة من نظام متسلط ومتجبر؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون فراغ الزاد من أدوات التحليل العلمي والأكاديمي، فيبقى الشطح اللفظي هو سيد التعبير.
كحالة تلك التي ألصقها بعض رواد المواقع الاجتماعية بإحدى مذيعيات قنوات الصرف الصحي، حيث نوهت بمشاركة السيسي كعضو فعال على شؤون العالم، وقيل ذلك بشكل جدي وليس على سبيل المزاح! هذا التهكم السياسي والسخرية السياسية هي ما يطبع للأسف مقولات ومقالات وتحليلات كثير من مثقفينا.
وقد اختار جورج فريدمان في مقال له بتاريخ 16 ديسمبر 2016، وهو محلل استراتيجي أميركي كبير، رئيسين أمريكيين على طول القرن العشرين كزعيمين "Leaders"، لأسباب وجيهة، هي تمكنهما من اجتياز أزمات مالية كبرى. بعكس السيسي زعيم الأزمة والتطبيع مع الفساد بكل أشكاله. فلا يمكنني وصفه إلا أنه قائد بدرجة الهاوية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.