منذ اليوم الأول للحراك الشعبي السوري الذي واجهته السلطة السياسية بالرصاص والإرهاب السياسي الاحترافي والمنظّم، لم يتعلق السوريين إلا بشعار صدحت به حناجر المتظاهرين ضد آلة القتل والتدمير وبشكل عفوي "ما لنا غيرك يا الله". وعندما كان الثوار يسيطرون على ما يقارب ٦٠ في المئة من الأراضي السورية زار ما يوصف بأحد قادة الثورة السورية مدينة موسكو عام ٢٠١٤ وكتب جملته الشهيرة "شمس الحرية ستشرق من موسكو" فهل كان ذلك محض صدفة أم أنه سمع حديث لم يفصح عن مضمونه لهذه اللحظة؟
وفي سرد بسيط عما دار خلال الاجتماع ذكر "أن الروس يفكرون في عقد مؤتمر يضم بعض الشخصيات من المعارضة السورية" وهذا ما تحقق لكن بعد عدة سنوات من الزيارة من خلال دعوة موسكو لعقد مؤتمر يضم شخصيات من المعارضة والنظام في مدينة سوتشي.
ولطالما كررت روسيا محاولاتها للاستفراد بالعملية السياسية وحرف مسارها الذي يسعى إلى إيجاد انتقال سياسي حقيقي في سورية، من خلال عقد العديد من المؤتمرات، ودعم شخصيات مخابراتية وحسابها على المعارضة السورية. وكل ذلك بهدف تعويم نظام الأسد الذي يضمن لها بقاء قواعدها العسكرية على شواطئ البحر الأبيض المتوسط والحفاظ على مصالحها هناك.
مؤتمر "سوتشي" أو "الحوار الوطني السوري" كما أطلقت عليه موسكو لا يبتعد كثيراً عن تلك المحاولات، حتى أنها ذهبت بعيداً هذه المرة في التأكيد على مناقشة المبادئ الدستورية والانتخابات خلال جدول أعمال المؤتمر، وهما البندان الأساسيان في مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، وخاضت فيه الأطراف مناقشات معمقة في جولات التفاوض السابقة والتي شملت أيضاً الانتقال السياسي.
الظروف المحيطة بزعماء "الكرملين" مختلفة عن سابقاتها، فهم لا يملكون ترف الوقت كما في السابق، ففاتورة دعم نظام متهالك تتضاعف كل يوم، في الوقت الذي يتم الاستعداد فيه لاستحقاق الانتخابات الرئاسية في آذار القادم، إضافة إلى استضافة نهائيات كأس العام في حزيران والخوف من حدوث أي عمليات إرهابية.
الموقف الموحد للمعارضة السورية برفض المشاركة في المؤتمر، أربك موسكو وجعلها تتراجع عن عقده، ودفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للقول بـ "إنهم يقومون بتحليل الردود، وطابع الفعالية يتبلور حالياً ويتم إنضاجه".
المعارضة السورية بمختلف أطيافها وعلى رأسها الهيئة العليا للمفاوضات شددت على أن المؤتمر يسعى لإيجاد حل خارج إطار الشرعية الأممية، وأكدت الهيئة على التزامها بالحل السياسي وفق بيان جنيف والقرار الأممية ذات الصلة، وطالبت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإعادة الهيبة للقانون الدولي وإنقاذ القرارات الدولية الخاصة بسورية.
التصرفات الروسية منذ انطلاق الوساطة الأممية لم تبتعد عن دعم نظام الأسد، وهو الذي هدم جسور الثقة بشكل كامل مع المعارضة السورية، وبالنظر إلى الظروف المحيطة بالدعوة إلى المؤتمر، نجد أن موسكو استخدمت حق النقض "الفيتو" للمرة التاسعة داخل مجلس الأمن لمنع عمل لجنة التحقيق الدولية المستقلة والتي كشفت تورط النظام باستخدام الأسلحة الكيماوية، كما أنها تتحمّل المسؤولية عن عدم مرور المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة في سورية، وعلى رأسها الغوطة الشرقية، وختاماً فهي تقصف المدنيين في دير الزور عبر الجو ومن البحر بشكل عنيف وجنوني بهدف إعادة النظام إلى تلك المناطق وتقويته.
إن السلام الذي يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومستشاريه لا يخدم إلا مصالح بلاده في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو صراع معقد ومتشابك ممتد لعشرات السنين، لا يخدم السوريين وحقوقهم العادلة في تحقيق التغيير الدائم نحو بلد ديمقراطي حر يعيش فيه الجميع بحقوق وواجبات متساوية بعيداً عن بشار الأسد وزمرته الحاكمة.
إن الحل الحقيقي يجب أن يكون عبر المسار الدولي، وهو الذي يمنح سورية والمنطقة سلام دائم، وإن كانت موسكو مهتمة بإيجاد هذا الحل فعليها إجبار النظام على الانخراط بشكل فعّال في مفاوضات جنيف التي لم تلقى النور بسبب تعنت النظام ورفضه مناقشة أجندة المفاوضات التي حددها بيان جنيف والقرار ٢٢٥٤ بتشكيل هيئة حاكمة انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية تقود البلاد إلى مرحلة جديدة من عمرها. وفي نهاية الأمر نقول للمربكين المرتبكين إن شمس الحرية لا تشرق إلا من سوريا وعلى يد أبنائها المخلصين فمعركتنا لا تنفع فيها أنصاف الحلول ولا يسوغ فيها مهادنة الخصم ومجاراته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.