شعار قسم مدونات

أميركا ووثائق بن لادن.. حلال لإيران حرام على الصحافة

مدونات - بن لادن والظواهري
فضحت الوثائق التي سربتها المخابرات المركزية الأميركية أكثر ما فضحت الجهة التي سرّبتها من حيث لا تدري، إذ إنها أرادت أن تقول إن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن تعاون مع الإيرانيين في حربه على أميركا والغرب، وأتت بوثيقة تتحدث عن عرض إيراني بالمال والسلاح مقابل تفجيرات في الغرب والخليج، وعلى السريع نشرت وكالة الأسوشيتد برس الأميركية تقريرا مطولا يثبت ذلك.

لكن ما تغافلت عنه المخابرات المركزية الأميركية عمدا أو غيره، ومعها الأسوشيتد برس الأميركية، هو لمَ الصمت على التواطؤ الإيراني هذا في دعم ومساندة "الإرهاب"، بينما يلاحقون إعلاميين ومفكرين ورجال أعمال ومنظمات إغاثية تعمل في مجاهل أفريقيا وآسيا، ثم يتبيّن خطل وخطأ تلك الملاحقات، ولكن بعد سنوات وسنوات دون أن يعتذروا، أما الضحية فأقصى ما يريده هو أن ينجو بجلده بعد أن تلطخت سمعته وشهرته.

هل كنا بحاجة إلى عقد من الزمن حتى نتحدث عن علاقة بين القاعدة وإيران، بينما الكل يعلم أن قادة القاعدة هربوا من أفغانستان إلى إيران وأقاموا فيها بحماية الحرس الثوري الإيراني، فذاك مسموح به لعقد ونيف ولا يزال، أما الاشتباه بوجود أشباح القاعدة في باكستان فتُهدد على أثره بإعادتها إلى عصر القرون الوسطى كما نقل الرئيس الباكستاني برفيز مشرف في مذكراته عن نائب وزير الخارجية الأميركي ريتشادر أرميتاج قبيل الحرب على طالبان عام 2001.

قبل أيام تحدّث الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن معاقبة إيران وحزب الله، ولكن معاقبات إخبارية تعودنا عليها لعقود، فالكل يعلم كما ذكرنا عن إيواء واستضافة واستعمال ربما إيران للقاعدة وقادتها
قبل أيام تحدّث الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن معاقبة إيران وحزب الله، ولكن معاقبات إخبارية تعودنا عليها لعقود، فالكل يعلم كما ذكرنا عن إيواء واستضافة واستعمال ربما إيران للقاعدة وقادتها
 

هل كنا بحاجة إلى عقد من الزمن وإلى وثيقة بين وثائق بن لادن لتتحدث لنا عن تسهيلات القنصلية الإيرانية لتأشيرات غير مختومة على جوازات سفر عناصر القاعدة الهاربين من باكستان إلى إيران، وهل كانت محطة السي آي إيه غائبة تماما في العسل بباكستان عن نشاطات الإيرانيين والقاعديين لا سيما موقع كقنصليتهم في كراتشي التي شهدت مقابلات مخططي "غزوتي نيويورك وواشنطن" رمزي الشيبة وخالد الشيخ مع قناة الجزيرة. فعلا إن كانت السي آي إيه تعرف بالأمر وتتجاهله فهذا يدعو لوضع إشارة استفهام كبيرة على حربها على الإرهاب، وإن كانت لا تعرف فتلك كارثة أمنية أميركية بامتياز تُحاسب عليها ربما بأقوى من الحساب السابق.

الكل يعلم أن زوجة بن لادن وأولاده وصلوا من طهران إلى أفغانستان وأقاموا معه لاحقا في أبوت أباد القريبة من إسلام آباد حيث قضى أيامه الأخيرة قبل أن يتم تصفيته في (مايو/أيار) من عام 2011، وكان الإفراج عن زوجة بن لادن قد تم إثر صفقة تبادل لدبلوماسي إيراني تم خطفه من بيشاور، بل وامتدت العلاقة إلى أن يذهب زعيم تنظيم القاعدة أختر منصور إلى إيران ويتم قتله ولكن بالأراضي الباكستانية وهو عائد من إيران، فهل ثمة اتفاق سري بين واشنطن وطهران على عدم التعرض لقادة القاعدة في إيران كما يفعلون بشكل يومي في باكستان عبر الاغتيالات الجوية من طائرات بلا طيار، أو المطالبة بشحن المتهمين بالعلاقة مع طالبان والقاعدة إلى سجن غوانتانامو، وكان منهم خبيرة الجراثيم الباكستانية المشهورة عافية صديقي، في حين لم نسمع عن مطالبة أميركية يتيمة بضرورة تسليم إيران لقيادي قاعدي مقيم على أراضيها، فضلا عن استهدافه كما جرى في رابعة النهار الباكستاني على مدى عقد؟!

لا أعتقد أن عاقلا بحاجة إلى نشر 470 ألف وثيقة ليثبت تلك العلاقة، ولكن المريب والمشكوك به والذي صمت عنه الإعلام وصمتت عنه الدوائر البحثية لماذا تصمت أميركا والغرب على وجود قادة القاعدة في إيران، بينما تلاحق مجاهيل في صحراء وجبال اليمن، وسهول الشام، وجبال تورا بورا ووزيرستان وأفغانستان، لماذا يصمت كل هؤلاء عن ملاحقتنا كإعلاميين، وإبقاء سيف ديموقليس أو سيف أميركا المسلط فوق رقابنا كإعلاميين ونحن نرى ونلمس على مدار الساعة تورط دول حتى أذنيها بما نتهم به زورا وبهتانا، ومن سيعتذر لتيسير علوني، وأحمد زيدان، وبلال عبد الكريم، وآخرين عن حملة أميركية بشكل مباشر أو غير مباشر لتشويهنا واغتيالنا إعلاميا.

نحن كإعلاميين ظُلمنا مرات ومرات من قبل الإدارة الأميركية على تفاوت درجات الظلم بيننا، إن كان اعتقالا وتهديدا، أو ملاحقة، واغتيالا معنويا، وتشويها

ما قمنا به كإعلاميين من نشر أخبار ومقابلة من صنعوا حدثا إخباريا، اتفقت أو اختلفت معه، تقوم وكالة المخابرات المركزية الأميركية بأضعافه اليوم، وفي الوقت الذي كنا ننشر جزءا يسيرا من مقابلاتنا مع قاعدة القاعدة، معياره ومسطرته اهتمام القارئ أو المشاهد، والقيمة الخبرية لما ينشر، فعلت عشرات آلاف أضعافه بالأمس المخابرات المركزية الأميركية. فهل أدركت الوكالة اليوم وأدرك معها كل من كان يقف على تشويه إعلام الجزيرة والإعلام المستقل، أن جُلّ ما فعلناه هو توعية وتعليم المشاهد بحقيقة ما جرى ويجري أملا في أن نتخذ أفضل الأساليب والإستراتيجيات الناجعة لمواجهة خطر سعى الكثيرون يومها إلى دفن رؤوسهم كالنعامة بعيدا عنه.

لا نريد أن نذكر أن العديد من زملائنا الإعلاميين الغربيين التقوا بـ أسامة بن لادن قبل أن نلتقيه نحن كإعلاميين عرب، ولكن لم يتعرض لهم أحد، فهل المهنة أيضا عنصرية إلى هذا الحد، وإن كنا هنا نسجل امتناننا وشكرنا لبعضهم الذين وقفوا معنا في مسيرة محنتنا، بينما صمت آخرون ليصفّي حساباته أو حسابات دوله معنا ومع الجهات التي نعمل فيها، وربما أسباب أخرى عن محنتنا، قد نعرفها بعد عقد أو أكثر كما جرى اليوم مع هذه الوثائق.

قبل أيام تحدّث الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن معاقبة إيران وحزب الله، ولكن معاقبات إخبارية تعودنا عليها لعقود، فالكل يعلم كما ذكرنا عن إيواء واستضافة واستعمال ربما إيران للقاعدة وقادتها، ولكن لا ردّ فعل أميركي على ذلك كله، والكل يعلم أيضا عن تورط حزب الله في الهجوم على المارينز الأميركي عام 1983، والكل يعلم عن تورط عصائب أهل الحق العراقية الشيعية في الهجمات على القوات الأميركية بالعراق، ولكن تم غسلها عبر مشاركتها بالبرلمان العراقي، ثم بالمشاركة في الدم السوري المسفوح وبحماية جوية من قبل الطائرات الأميركية في الشام.

مرة أخرى يفلت المجرم الحقيقي ويفلت معه صاحب مصنع الإرهاب، ويحارب المنتج الذي خرج من المصنع، كما رأينا بحرب الغرب والشرق لداعش، بينما كل عقلاء الخبراء يتحدثون عن الدور السوري والإيراني الذي أفرز حالة داعش، والتي لم تكن موجودة في بداية الثورة الشامية، ومع هذا يعاقب المنتَج ويفلت صاحب الإنتاج.

أخيرا نحن كإعلاميين ظُلمنا مرات ومرات من قبل الإدارة الأميركية على تفاوت درجات الظلم بيننا، إن كان اعتقالا وتهديدا، أو ملاحقة، واغتيالا معنويا، وتشويها، فمن سيُنصفنا بعد هذا كله، وما زلنا بانتظار وثائق ومذكرات جديدة تُنصفنا، ربما يحصل هذا بعد رحيلنا عن هذه الدنيا.. حينها تذكروا أننا لم نكن إلاّ إعلاميين مهنيين أوفياء للمهنة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.