في هذا الواقع المخزي لا تتضح بوادر انفراج قريبة في الأزمة اليمنية، ومازلنا نهرب كشعب هروب القتيل يحمل بين أنفاسه بقايا أمل في دنيا السلام والإنصاف والعدل، والحياة الكريمة، ولكن جميع أحلامنا انصهرت حتى أحرقت على نيران الحرب، وكلما ولد أمل دفن على أرض الواقع، وأصبحنا قطيعا عرمرم من اليايسين والمعذبين، والممزقين، والمرضى والجهلاء، والمجندين، والقتلى والمقتولين، هذه كل الطرق المؤدية إلى الحياة اليمنية.
صيرونا جبهة من شمالنا إلى جنوبنا، كبيرنا وصغيرنا، إن لم تدخل ميادين الموت وتحارب، فعليك أن تموت بسلام بين خصمين، الأول جاهل دون قيد أو شرط (أنصار الله) ذات أيدلوجية دينية باطلة المحتوى، منعدمة الشرعية الداخلية والخارجية، لا يملك من القوة والعتاد ما يملك خصمه، ولكنه ذو نفس طويل يستمده من الإخلاص والإيمان بما يعتقد من عقيدة راسخة واضحة لدى أتباعه.
وهذا ما أبقاهم صامدين لا يبالون بالموت ولا يسألون عن الحياة، ولا يضعفون لعدوهم الذي يملك كل شيء، ولكنه لا يحارب دفاعا عن عقيدة أيمانية وإنما عقيدة دينوية ومصالح مادية، وهذه هي نقطة الارتكاز في تاريخ الحروب، بقدر إيمانك بمبادئك وكلما كانت المبادئ التي تحارب من أجلها كبيرة في ناظريك وعظيمة في نفسك، بحيث تكون أغلى وأجل من الحياة ذاتها، هناك يولد الإخلاص الذي هو سمة الانتصارات في كل الحروب.
فهم يحاربون من أجل الحرب فقط، وليس لديهم ما يخسرونه إذا خسروا هذه الحرب، ولا يملكون خيارا سواها، لذلك يفعلون مقدورهم وبكل بسالة واجتهاد، ولو تبدلت موازين القوى وملك ما يملك خصمه من العتاد والمال، وبهذا الروح، لانتصر بين ليلة وضحاها.
بيد أن الفارس الآخر إلا وهو (التحالف العربي) يملك المال والعتاد والرجال، ويحاصر الآخر بتأييد عالمي واسع، ورغم ذلك ثلاث سنوات وهو يخوض الحرب، ولم يخطو خطوة نحو الحسم ولا تظهر بوادر الخط النهائي لهذ المراثون الحربي تسألون لماذا؟ وهم يملكون كل شيء! أقول لكم إن التحالف لا يملك الروح العقائدية لا أنصار الله ولا يملك ذاك الحماس إلى النصر والحسم، وكذلك لا يريدون الحسم، فالحرب توفر لهم كل المبررات الدولية التي تستر أفعالهم الشنيعة داخل الأراضي اليمنية، من ثم ما الحرب إلا احتراس أمني كسياج يضمن أن يبقى العدو خارج حدودهم، ولا ننسى أنهم يعلقون عليها أطماعا أصبحت أوضح من شمس الظهيره في كبد السماء.
وها هم يفعلون ما يشتهون فينا، فالإمارات تسيطر على الجنوب المحرر أصلا، وتجد لها أنصارا، وتستدرج أتباعا وتوظفهم كيف ما تشاء لحماية مصالحها إلى جانب جنودها المنتشرين، وتبسط يديها على فواصل البلاد التي لم تدر حولها الحرب وهي في مأمن منها.
زرعت قواتها في كل مكان ونشرت جنودها على كل المواقع الحساسة ولم تعد مشغولة إلا بمطاراتنا وآبار نفطنا وغازنا والاستحواذ عليها، وضم الأراضي الجنوبية من بلاد اليمن إلى سيطرتها كسباق فرنسا وبريطانيا في القرن المنصرم.
نحلم بالسلام، ولكن هناك حماة الحرب ورجالها ينصبون شراك الموت المتناثره على أطراف بلادنا من كل حدب وصوب وأسلحة الجار القريب والغريب البعيد نحو أرضنا، دون هوادة ولا اقتراب حلول، فأين أين الهروب؟ وكلها تنفي السلام وترسخ دعائم الموت، ذاك بطيرانه وهذا بجنده ورجاله، ذاك من السماء وهذا من الأرض، ونحن غنيمة النيران بين التحالف والحوثي، وإن لم تفِ الأسلحة بذلك، فهناك كلبشات الأفواه والموت جوعا الذي أصبح واقعا مشهودا على الساحة اليمنية ذات الجراح الغائرة، ولا أحد يعلم إلى متى سوف نصبر؟ صبرنا ثلاث سنوات فضاق بنا الصبر، أما آن لهذه الحرب أن تنقصم ظهرها كما قصمت ظهورنا وفتت أكبادنا ورملت نساءنا، وعسكرت أطفالنا، ودمرت واقعنا ومستقبلنا وتركتنا لا حياة ترجى ولا موت يفني.
ليس كل القيود من حديد، فهناك قيود الأمراض المتمسكة برقابنا والقوافل من الموتى في ازدهار مستمر، حيث تطورت جبهات الموت وتعددت في عهد العواصف الحاسمة التي حسمت الحياة بالكوليرا والأمراض والمجاعة والحسم وعواصفهم أصبحت حديثا دون طعم ولا لون ولا رائحة بعد مرور ثلاث سنوات عجاف، اندق فيها العظم وهزل فيها الهزيل، أكلت أيامها الحمراء ولياليها السوداء أطفال ونساء وكل أبناء اليمن، فهذا قضى جوعا، وهذا قصفا، والآخر مرضا معديا، وآخرون قصفوا خطأ وهم كثير من الأبرياء، كل ما كسب أهاليهم بيانا يقول إنهم ذهبوا إثر خطأ عسكري تكتيكي على الأرض، كلمات لا تعيد حيا ولا تغني يتيما فقد والده في هذا الخطأ المتكرر، وبعد كل هذا تقولون جئنا ننتشلكم من ويلات الحرب ، وها نحن اليوم نعاني أضعاف ما كنا نعاني، وحالنا معكم كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وهاهي عاصفة الحزم ما زالت مترنحة لم تصل إلى شيء!
والزمان يمر وعداد دماء الشعب اليمني لا يتوقف، وتسير السفينة حيث لا نشتهي، وعاصفة الحزم لا تزال آثارها، دون إنجازات على الأرض توحي بالحسم، وتحيي نيتهم على إعادة الشرعية وتبعث بقايا أمل اندثرت بغبار السنين، وكأنهم لا يريدون لهذه الحرب أن تنتهي، ولا أن يقطع شريانها، وليس من المهم أن يقف وريدها وتدفقاتها، ولو أفني هذا الشعب عن بكرة أبيه في الساحات الزاهية بالموت وعلى يد الأمراض الفتاكة والمجاعات المتلاحقة، حيث يقول لسان الواقع إن الهدف الذي أعلنت من أجله دول التحالف عاصفة الحزم، ليس تخليص اليمنيين من الحرب الذين زادوهم سوءا على سوء وفقرا على فقر، ولم يكن هدفهم أن تعود الشرعية، فهذا حديث الشاشات فقط وتلميعات إعلامية يصدقها البلاهاء، ويعلق عليها المساكين أطراف أحلامهم وآمالهم المزعومة.
ولكن حديث الحقيقة مدفون غالبا تحت الألسن وخلف الكاميرات والشاشات، والواقع تشرحه الوقائع والحقائق على الأرض بعيدا عن زيف الكلمات الوردية والوعود السرابية، حيث يصرخ في وجوهنا الواقع قائلا؛ كل ما يعني العاصفة ويجعلها تحقق جانبا كبيرا من هدفها حينما خاضت هذه الحرب ألا يطمع في حدودهم الحوثيون وأن يديروا الحرب خارج الحدود الموازية لهم بأجساد اليمنيين فقط، وكل اهتمامهم أن تبقى طموحات الحوثي وأهدافه داخلية محصورة على هذا الشعب، بحيث لا يقوى إلى الحد غير المسموح له بالتضييق عليهم وتوجيه قواته إلى مدنهم وقصورهم الفخمة.
وأصبحت تلك الآمال العريضة في عودة اليمن إلى حظيرة السلام والآمان، والعيش الرغيد على يد التحالف العربي في مهب الريح وكلمات لا يقولها مجنون، ولا تنطلي على أحد ولا يصدقها أكثر الناس إسرافا في التفاؤل والأمل اليوم.
وثاني الطموحات هي بسط النفوذ وصراع استعماري خفي يستبين اليوم بشكل جلي على الأرض، وها هي الإمارات تكشف عن مطامعها نحو ثرواتنا وأرضنا، وتقبض الأثمان، وتظهر اختلاف أهداف عاصفة الحسم، وتباين نظراتهم إلى الجسد اليمني وأطماعهم تخطت الشرعية، وكل ذلك البكاء ليس على موت الشرعية، ولم يكن إلا دس السم في العسل، وها هي تبسط يدها اليوم على الخريطة اليمنية، وأصبحت تحتل كل المفاصل المهمة في الجسد اليمني، وخاصة الجنوب الذي تديره تحت وصايتها الكاملة وتفعل بثرواته وموارده ما يفعل صاحب الحق بملكه دون سؤال ولا جواب؟ آبار النفط وميناء عدن والمكلا وسقطرى وشبوة، تحت الأوامر الكاملة من قبل جنودها، ونقاط الأمن وسياراتهم وجميع الآلات الأمنية ترفرف عليها الأعلام الإماراتية بمباركة سعودية، ونحن كشعب يقاسي الويلات ونعاني الأزمات في كل نواحي حياتنا.
السلام مفقود والبؤس موجود، والدمار في الأرض والعرض والمتاع والأمراض في ازدهار، والبنية التحتية معدومة، والمدراس خاوية، طلابها في الجبهات، والحياة عبارة عن سجن كبير مكدس بالمرضى والفقراء والجائعين.
دعك من انعدام الوظائف وتفشي البطالة، وحيث ما وجهت شطرك هناك أكوام وأكوام من المعاناة والأمور الجسام التي يعانيها هذا الشعب، لا توصف ولا تحكى، وليس المشاهدة بالعيان كما الوصف بالكلام والبيان، وهناك من مشاعر الخيبة والخسران ما لا تحمله ريشة الأقلام وسواد الصحف ووسائل الأعلام. واللعنة على الحرب وتجارها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.