شعار قسم مدونات

المصالحة الفلسطينية.. مصالحة مصالح أم وحدة وطنية؟

blogs المصالحة الفلسطينية
هل كان من باب الصدفة أن يبدأ الانقسام في عهد رئيس الحكومة – المُقالة كما أطلق عليها في حينه- إسماعيل هنية، وأن تبدأ أولى خطوات إنهاء الانقسام الفعلية بعد 10 سنوات، حينما أصبح رئيس الوزراء ذاته رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس؟ على الرغم من الجهد الذي بذلته حماس منذ أسبوعين لإظهار قبولها بالمصالحة عن سابق إصرار وتخطيط إلا أن كل ما كتب منذ وصول حكومة الحمد لله إلى غزة وحتى هذه اللحظة لا يعدو أن يصف ما حصل "بالتنازل" من قبل حماس لصالح السلطة الفلسطينية، خصوصا بعد تصريحات الرئيس الفلسطيني أبو مازن، والتي أكد فيها أن الاختبار الحقيقي للمصالحة هو في السلاح، وبأن السلاح الشرعي واحد فقط بيد الحكومة.
الأمر الذي اعتبره البعض تنازلا محرجا من حماس، إلا أنه أيضا يسجل لها موقفا مشرفا بأنها سارعت أمام الشعب الفلسطيني للمبادرة بإنهاء هذا الملف الذي أصبح عبئا على القضية الفلسطينية، مما يدفعنا للتساؤل حول الأسباب الحقيقية التي دفعت للمصالحة.

ينطلق الجدل القائم حول المصالحة من محورين أساسيين، الأول يناقش القضية من حيث المبدأ والمشروع، فهو ينظر إلى الأمر من ناحية مشروع مقاومة ومشروع تسوية، ولا يرى حماس أو فتح سوى في هذين الاتجاهين ويقارن بينهما، ليبدأ هذا الفريق بالتساؤل حول ما إذا كانت المصالحة اليوم بوابة لدخول حماس في مشروع السلطة من جديد –المرحلة السابقة كانت في دخولها للمجلس التشريعي تحت سقف أوسلو- أم أنها خرجت منه إلى طريق آخر؟

حماس تحاول إقناعنا جميعا أن ما حصل جاء رغبة منها في تخفيف العبء على الفلسطيني في غزة وتحسين مستوى حياته من خلال العمل على رفع العقوبات المفروضة على القطاع

أما حركة فتح والمتمثلة في السلطة الفلسطينية التي أعلنت مرارا وتكرارا أن الانقسام لن ينتهي إلا بتنازل حماس عن السلطة –وهو ما يحدث الآن- فإن الانقسام أدى إلى بروز انشقاقات واضحة داخلها بين تيار دحلان وأبو مازن على حساب الحركة، بالإضافة إلى ضعف تمثيلها أمام المجتمع الدولي الذي اعتبر أن السلطة ليست ذات قوة فعلية على الأرض إذا لم تكن تمثل قطاع غزة والضفة الغربية معا، مما يعني أن المصالحة بالنسبة لها تحقق ضربتين بحجر واحد وهما مصالحة فتحاوية فتحاوية على المدى القريب، وعودة للعمل الدبلوماسي في الساحة الدولية بشكل أكبر وأقوى – ربما تصريحات الحمد الله حول خطط إعمار غزة من جديد ومشاريع حكومته تأتي في هذا السياق-.

في المقابل فإن تساؤلا آخر يطرح على الحركتين –فتح و حماس- حول من يتحمل مسؤولية مئات الشهداء الذين ارتقوا أثناء الانقسام إذا كانتا في نهاية الأمر ستعودان إلى ما كان الوضع عليه قبل 2007. أما المحور الثاني الذي تنطلق منه معظم التساؤلات على الساحة الفلسطينية حول المصالحة فهو محور مؤيدي وعناصر الحركتين ذاتهما، حيث يناقش كل منهما المصالحة من حيث المصالح السياسية و / أو التنازلات المقدمة من الطرف الآخر؛ وهو الأمر الذي برز بعد تصريحات فتحاوية تؤكد أن ما حصل هو تنازل حمساوي بامتياز لصالح "الشرعية" وهو الأمر الذي حاولت وتحاول حركة حماس إخفاءه بالقول أنها تنازلت بملء رغبتها عن الحكم في قطاع غزة لتتفرغ لمشروع المقاومة.

حماس ذاتها التي تحاول إقناعنا جميعا أن ما حصل جاء رغبة منها في تخفيف العبء على الفلسطيني في غزة وتحسين مستوى حياته من خلال العمل على رفع العقوبات المفروضة على القطاع من قبل الاحتلال من خلال التوجه نحو المصالحة وإنهاء الانقسام وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 2007، وهو أمر تكاد تثبت عدم صحته.

إذ لا يمكن في عرف السياسة إلغاء قرار تم اتخاذه قبل 10 سنوات بالعودة خطوة إلى الوراء ببساطة، فما حدث عام 2007 ترتب عليه تراكمات أدت لزعزعة الهندسة الاجتماعية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والأمر لا يمكن تبسيطه بتسليم بضع مكاتب ولا أيضا بتسليم الأمن أو المعابر بل يحتاج إلى خطوات إلى الامام تبحث عن حل جديد.

ما تطرحه حماس بأن الحركة اتجهت للمصالحة لأجل حماية مشروع المقاومة لا يجيب عن مخاوف الجميع بأن ما فائدة السلاح إذا كان القرار السياسي مؤيدٌ للمشاركة في حروب التسوية
ما تطرحه حماس بأن الحركة اتجهت للمصالحة لأجل حماية مشروع المقاومة لا يجيب عن مخاوف الجميع بأن ما فائدة السلاح إذا كان القرار السياسي مؤيدٌ للمشاركة في حروب التسوية
 

وعلى الرغم من الآمال العالية وسقف التوقعات المرتفع الذي يرسمه الفلسطيني في غزة؛ إلا أن عليه أن يتمهل قليلا لينظر إلى حال الضفة الغربية، فهي ليست "سنغافورة" ونسبة البطالة فيها عالية مع وجود نسبة كبيرة من الفلسطينيين يتجهون للعمل في الأراضي المحتلة عام 48 هربا من واقعٍ صعب لم تستطع فيه حكومة الحمد الله تلبية متطلبات حياتية كثيرة، مما يدفعنا للشك بإمكانية أن تكون المصالحة فعلا حلا مساعدا نحو حياة أفضل للفلسطينيين؟

وفي المقابل، فإن ما تطرحه حماس بأن الحركة اتجهت للمصالحة لأجل حماية مشروع المقاومة لا يجيب عن مخاوف الجميع بأن ما فائدة السلاح إذا كان القرار السياسي مؤيدٌ للمشاركة في "حروب التسوية" جنبا إلى جنب مع السلطة الفلسطينية، مع وجود صور محفورة في الذاكرة الفلسطينية لسلاح المقاومة في بيروت عام 1982 حينما كان للفلسطينيين شبه دويلة في لبنان ولم تسعفهم كل تلك الأسلحة في حينه من تحدي قرار القيادة بالخروج لتبدأ بعدها مرحلة أسماها الشهيد سعد صايل بـ"جورة الوسخ" التي وقعت فيها القيادة الفلسطينية… فهل، ستنجو حماس اليوم مما وقع فيه سابقوها من قبل؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.