شعار قسم مدونات

أُمي.. سلام من الله ورحمة

BLOGS - mother reading kid son أم أمي الأم

في تلك الهيئة، بل دعني أقول في ذلك الوجه القمري، نبدأ من تلك العينين، فلنقل اللؤلؤتين! أقف هناك متأملة، تأخذني الدهشة إلى ما وراء الأفلاك، تتوارد الخواطر، تجول، تهبّ نسائم كثيرة، رقيقة أحيانًا، وتارة توحي بعاصفة قريبة، أو ينذر احمرارها على بركانٍ برهةً ويثور، وأثقلها من نسمةٍ حين تبعث معها هبّاتُ لمعةِ حزن!
 
هذا العالمُ الخاص، يكادُ يكون محفوفًا بالمخاطر، بتغضناتِ أيامٍ عسيرة، وربما فراقُ وطنٍ حقيقي أو أوطانٍ أصغر محلها القلوب التي في الصدور، ووحدة وهيكل عالم جديد. ومراتٍ كثيرة تجلي الشعور بسلطنةٍ من الهوى. لطالما تساءلت ما الذي يكبحني من أن أغوص فيه؟ أن أتبينَ معالم أمي؟ نعم أمي، أتعلمون ما العوالم التي تدفنها الأمهات في داخلها وتظهر خريطتها في ذلك القرص الدائري المسمى جدًلا "بؤبؤًا"؟! أذكرياتها البعيدة التي بقيت هُناك! وبقي عليها أكوام غبار!؟ وما الذي تخفيه تلك الهالة حول عينيها؟ كيف لم يصيرها الزمن سوادًا؟ بل كيفَ بقيت هكذا بيضاءَ رغم ما تصخبُ به مقلتاها؟ رغم بياضها فهي تجعلك تتكهن عمق التعب، وحيرة حبها الأزلي، ما يضجُ داخلهما سوى تلألؤ إلهي تحسُ بأن فيه سلام من الله ورحمة! تحس أن قلوبهن تنبض بعينهن! عوالمهن الخاصة هنا بين رمشين وجفنين!
 

ما الذي تفعله هذه المرأة، وما الذي تفعله  الأمهات، ليكنّ في هذه الهيئة، وليحملن تلك القلوب، وما كرمُ أنفسهن الذي يضع فينا شعورَ السعادة وإن بخسن حقَ أنفسهن؟

أما هناك، عالم الأسرار، ولكنه مُتاح، نملك مفاتيحه! بل هي من تسلمنا مفتاحَه لنستحوذ عليه ونبحر قليًلا ليذوب الهم فينا، هناك ذلك الذي يلفنا بحب، ندفن وجهنا فيه حينما تتسعر نار الوجع في دواخلنا، هَبْه يقول لا تضطرب! هذا نظام الكون، ستتألم الآن وأداويك. لا تنحرِف، امضِ إليّ وسأقوم اعوجاجك. حضنها الكبير، الذي يسعنا في كل وقت، وفي كل نائبة، وفي كل ما يلجْ إلى قلوبنا من وجع، نجول في الطرقات فنزدرد الهم، ويسقينا هو ما يصير الهم ورودًا! ذاك مرفأ الدموع، ترسو فيه بسلام، فرِحًا كنتَ أم يتلبسك الهم. ذلك الحضن الدافئ يجعلك تشعر بتبادل النبضات! وتتيقن أنها تأخذ نبضك المتعب المتهالك، وتهديك نبضًا سليمًا معافىً من الشحوب وأزمات الدهر! أما نبضك الفرح، فهو يأخذه ويورد لك نبضات مليئة بفرحٍ أعمق! فأي ضعفٍ يحل بقلبٍ وراءه حضن أم؟ أي وجلٍ يسكن النبضات لا يتبخر بنبضٍ حميم يضم التعب فينجلي؟ وأي فرح يضم فرحًا لا يصبح فرحًا نفيسًا عظيمًا!
 
وبعد هذا كله، أنظر إليها متسائلة ما الذي تفعله هذه المرأة، وما الذي تفعله نساء البشرية بل أمهاتها، ليكنّ في هذه الهيئة، وليحملن تلك القلوب، وما كرمُ أنفسهن الذي يضع فينا شعورَ السعادة وإن بخسن حقَ أنفسهن؟ بالله عليكم ما الذي فيهن يصنع كل هذا الحب؟!

 
منذ هاتك الأوقات البعيدة من أمنا حواء حتى تلك الأيام التي تقوم بها الساعة، ستبقى الأم مزيجٌ من حبٍ وعطاء، كتلة نبض مفعمٍ بالحنان، مجبولة بالإيثار. تغلبُ عليهن رقةٌ وكأنها نسمة هبّت من الجنة! نجمة هي تضيء بحب، لتنير ما حولها من دُجنَةٍ وظلام! وكلما كبُرنا كبرت هي في قلوبنا وكبُرَت عوالهما وتضرجت بالعمق، عالمها الخاص وعالم الأسرار الجذاب!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.