الرجل إلى اليمين يبدو أنه الزعيم أو رمز السلطة الأبويّة، الآمر والناهي، أو فلنقل إنه يمثل القيم والمعايير، والمعتقدات العادات والتقاليد، الأعراف، أو ربما الثقافة العامة بشقيها المادية وغير المادية وأعني بغير المادية الأخلاق والقانون والآداب. يبدو هذا الشخص وهو يجاهد مع زميله الآخر إلى يمينه للإمساك بهذا المتمرد وإعادته إلى القطيع بيت الطاعة والولاء، أي إلى حظيرة القطيع والانصياع أو اتباع منظومة القيم المتعارف عليها.
الخارج عن القطيع في اللوحة، حقيقة هو واحد ممّن قضوا معظم حياتهم، وهم يظنون ويعتقدون بأنهم يدافعون عن أفكارهم ومعتقداتهم وقناعاتهم ورؤاهم الخاصّة |
لنعد إلى المتمرد، الواقع أن فعله ليس فقط فعل خروج بمعناه الظاهر ولا حتى شروداً عن القطيع، ولكن حركته حركة، انفكاك او انشقاق، انسلاخ وتشتت.. انطلاق وتشظي في عنفها وقسوتها وطريقتها. القطيع يشدّه كي يبقى، فيما هو يشقّ طريقه منطلقا بكلّ قوّة للخلاص، والفكاك والانعتاق من الأسر الذي ضاق به. للانسلاخ من منظومة القيم والمعايير الاجتماعية، للهروب من قبضة المجتمع، هذا الانشقاق يعبر عن اليأس، والإحباط الذي يعانيه هذا المتمرد، أو فلنسميه هذا (المنسلخ) داخل القطيع. شكل القطيع الذي يشبه الأمواج، ربّما عبر الرسّام به عن سيادة السلطة التقليدية، وعلو كعب القيادة الكاريزمية وطغيان القطي. لنقل المجتمع وجبروته وقدرته على البطش بكلّ من يحاول الخروج عليه وعلى منظومة الأعراف، والقيم، والمعايير السائدة، أو ربما قصد الرسام به قدرة منظومة الضبط الاجتماعي غير الرسمية على فرض قوانينها الخاصة وتأثيرها في صناعة القرارات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.