حركة الإصلاح الإخوانية في الصومال معروفة بحضورها السياسي المؤثر في الساحة الصومالية طيلة العقود الثلاثة الماضية، وإن دورها قد برز أثناء مؤتمر عرتا للمصالحة في جيبوتي عام 2000م، والذي يُعتقد أنه تم بناء على دراسات واقتراحات قام ببلورتها كوادر من المكتب السياسي للحركة، وقبل ذلك كانت هناك جهود جبارة أثمرت في مجال المصالحة والتعليم والإغاثة والدعوة وغيرها، ولا تزال الأعمال مستمرة في مختلف المجالات؛ ولكن بوتيرة بطيئة ومتناثرة يراها الكثيرون بأنها دون التطلعات المرجوة في تقديم نموذج إسلامي رائد في المنطقة على كافة المستويات.
ويُعتقد أن إخوان الصومال حالة خاصة وناشئة سياسيا وتربويا وإعلاميا، وبالتالي فإن تجربتهم السياسية لا ترقى إلى المستوى الذي يؤهلها لتقييمها كتجربة ترتكز على مبادئ إسلامية تغييرية؛ وذلك لعوامل كثيرة، من بينها:
– طغيان القبلية والإقليمية على التوجه السياسي العام في الصومال: ويأتي ذلك بسبب كون العملية السياسية الصومالية تنطلق برمتها من منظور قبلي إقليمي، وعلى أساس المحاصصة القبلية المعروفة بـ4.5، والتي أرغمت الحركة على المسايرة إلى أقصى الحدود تحت مسمى التعامل مع الواقع، وذلك بهدف تسجيل حضورها السياسي عبر القبائل التي ينتمي إليها أفرادها، فكان كل فرد يحرص على تمثيل قبيلته في المجالس الحكومية بأي وسيلة ممكنة بغض النظر عن شرعيتها، وهو ما أدى إلى دخول عدد لا بأس به في مجلسي النواب والشيوخ والمجالس الحكومية الأخرى منذ العام 2000م، إلا أن هناك تصرفات سلبية قد أتت على المصداقية التي كانت تتمتع بها الجماعة على المستوى المحلي؛ حيث تشكلت نظرة سوداوية عن السياسي الإسلامي بسبب عدم تورع بعضهم عن الممارسات غير الشرعية مثل الكذب والتزوير والرشاوى وشراء الذمم للتبوء بمنصب سياسي، وهي بالفعل سلوكيات غير مقبولة تحت أي مبرر من المبررات.
نشير إلى أن التقييم لتجربة سياسية من منظور إسلامي يختلف عن غيره؛ لأنه يتركز على مدى ما يتحقَّق من إضافات معنوية إلى النموذج السياسي الإسلامي في المنطقة، وبالتالي فلا اعتبار لكتلة برلمانية تشكَّلت لمصالح سياسية مجردة |
ومن ناحية ثانية فلم يكن لدى الحركة خيار اختيار الأكفأ والأكثر ولاءً لها، لكون جهات كثيرة تساهم في عملية التعيين والانتخاب بمن فيهم رؤساء الأقاليم وشيوخ القبائل؛ وبالتالي كانت النتيجة دون المستوى المطلوب في أغلب الأحيان من ناحية النضج السياسي والحركي للشخص الذي يلعب دور التمثيل المزدوج للحركة وللقبيلة في آن واحد، وهي مهمة صعبة غرق بسببها الكثيرون في المستنقع القبلي، وذلك بسبب انخفاض فعالية الجرعات التربوية والتنظيمية التي تلقوها سابقا بحسب رؤية بعض كوادر الجماعة.
– الانطلاق من قاعدة هشة ومتعارضة: وهذا الأمر أدى إلى تأثيرات سلبية كبيرة على الطرف الذي خاض في التجربة السياسية بفعالية في عهد الرئيس السابق حسن شيخ محمود 2012 – 2016م، وهي المجموعة المعروفة بالدم الجديد، ويُعتقد أن الإنجاز الوحيد الذي تم تحقيقه هو إثبات دينامكية الشخصية الإخوانية ومرونتها وتفوُّقها في التكيف السريع مع أدبيات العمل الحكومي، رغم ما لوحظ من الفشل في ضرب أمثلة حية في النزاهة والشفافية، وللأسف هذا هو ما أفرغ المشروع الإخواني من محتواه؛ حيث لم يعد انتماؤه إلى المشروع الإسلامي أي معنى.
– المشاركة الارتجالية: إن المشاركة الارتجالية تخلق عادة حالة من الارتباك السياسي، ولاسيما في حال الفوز المفاجئ بأعلى سلطة في البلاد، وهو ما حدث للمجموعة الإخوانية التي فاز مرشحها بمنصب الرئاسة في انتخابات 2012م؛ وذلك لعدم وجود دراسات دقيقة وداعمة في مجال صناعة القرارات المصيرية وفق أفضل الاحتمالات الممكنة، كما أنه لم تكن هناك نقابات مهنية وعمالية تفرز قيادات سياسية ناضجة منذ سقوط الحكومة المركزية عام 1991م، وفي هذا الخصوص تُثار تساؤلات كثيرة بشأن ما كان متاحا لدى الإخوان من فرص وعلاقات وإمكانيات مادية لم يستغلوها لإنشاء مراكز دراسات وتدريب كوادر سياسية بأعلى المستويات، مما لو توفَّر لكانت النتائج العامة أكثر إيجابية على الصعيد الوطني أولا ثم على صعيد المشروع السياسي الإسلامي الذي تتأثر فرصه المستقبلية بأداء القائمين بتمثيله في كل مرحلة من مراحل صعوده.
– التأثير والضغط الدولي: معروف أن التأثير الدولي على الصومال كان ممتدا منذ سنوات طويلة بهدف فرض أجندات لصالح دول الجوار وداعميها من الدول الغربية، وهي دول غالبا ما تحرص على تغليب مصالحها وفق إستراتيجية ثابتة لا تتغير بتغير الرؤساء، وعلى هذا الأساس يرى المراقبون أن مجموعة الدم الجديد بالغت في تقدير الضغوط الدولية؛ وهذا ما أرغمها على تعيين ثلاث رؤساء حكومات من خارج حزبها مراعاة لرغبات دول خارجية وقبائل بعينها، في حين كان بالإمكان تعيين رئيس وزراء فعَّال من كوادر الجماعة، وذلك ضمن سياسات وقرارات جريئة تستهدف بناء حكومة متجانسة وقادرة على النهوض السريع بواقع الصومال.
وأخيرا؛ نشير إلى أن التقييم لتجربة سياسية من منظور إسلامي يختلف عن غيره؛ لأنه يتركز في المقام الأول على مدى ما يتحقَّق من إضافات معنوية إلى النموذج السياسي الإسلامي في المنطقة، وبالتالي فلا اعتبار لكتلة برلمانية تشكَّلت لمصالح سياسية مجردة، كما أنه لا وزن لأصحاب انتماءات إسلامية شكلية يشغلون مناصب مختلفة في مؤسسات الدولة غير حاملين همّ الدعوة إلى الله، ولا همَّ توحيد أصحاب المشروع الإسلامي في البلاد.
وبناء على ذلك فإن إخوان الصومال لم يحسنوا استغلال تلك المرحلة الذهبية التي تغلغلوا أثناءها مراكز صناعة القرار، وتقلدوا فيها حقائب وزارية مهمة، وإن الإشكالية هي أنهم كانوا بين مجموعة تنكر انتماءهم للمنهج الإخواني، وتعتبرهم مجرد شخصيات متساقطين وغير منضبطين تربويا وبين دول تحاربهم بخلفياتهم الفكرية دون إعطاء أي اعتبار لمعاركهم الجانبية وضعف تماسكهم وانعدام تواصلهم بمرجعياتهم الفكرية في الداخل والخارج.
ويشار إلى أن الخلاف القائم بين إخوان الصومال مردُّه في المقام الأول العناد، والاعتداد بالرأي، وانغلاق الأفق، ورفض الرأي الآخر، إلى جانب ذلك هناك إشكالية تتمثل في وجود طرف يرى أنه يمثل الشرعية باعتباره بقي مستمسكا بالأصول المادية والمعنوية للحركة مع التعويل على تلاشي وانكماش جميع الأجنحة الأخرى مع مرور الوقت، وذلك ضمن سيناريو مستهلك يختزل القضية في أن أغلب القيادات والأفراد الفاعلين يعودون تدريجيا إلى الحركة الأمّ بحسب رؤية هذه المجموعة المعروفة بالدم القديم، وهذا ما ترفضه البقية بشدَّة بمن فيهم ثلاثة من مؤسسي الحركة من أصل خمسة، وقيادات أخرى من الرعيل الأول.
وفي هذا السياق يحتج بعضهم قائلين: إنه بدل المراهنة على فشل الآخرين وانضمامهم إلى مجموعتك مضطرين؛ فما المانع من أن تحتضن أخاك مرفوع الرأس مكرَّما معزَّزا في إطار مبادرة إخوانية شاملة تنطلق من الاعتراف الجماعي بالقصور كأولى خطوات التصالح الداخلي، بالإضافة إلى التسامح، والتغافر، وطي الصفحة الماضية بكل آلامها، واستبدالها بأخرى تكون محصَّنة ضد الظواهر التي أخلت بتوازن وتماسك الصف الإخواني، وتركت مساحة للمغرضين من أعداء الجماعة.
ولتجاوز ذلك كله يحتاج الأمر إلى رؤية مستقبلية عميقة من شأنها أن تدفع الجميع نحو التسامي فوق المصالح الآنية الضيقة، وأن يختار القادة الكبار من مختلف المجموعات الإخوانية في الصومال خيارين لا ثالث لهما، إما أن يتركوا بصمة مشرِّفة يساهمون بها في نقل التجارب وتدارك الأخطاء أو أن تلحقهم لعنة الأجيال القادمة؛ فيكونوا بذلك سببا لضياع فرص عظيمة في سبيل نصرة الإسلام والفكر الإخواني المعتدل في المنطقة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.