نعيش وفق خطة نرسمها أو نشتهيها وبعضنا الآخر لا يكلف نفسه عناء التفكير في الغد أو حتى اللحظة الراهنة، كأنهم يريدون بذلك التنصل من رسالتهم في الحياة، أن يتساوا مع أي كائن غير عاقل على هذه الأرض. بينما يجد أصحاب الرسالة أنفسهم في معركة طاحنة لا خلاص منها ليحملوا بذلك عبء من تنصل من مسؤوليته أولئك الأشخاص أقل ما يقال عنهم أنهم حماة الإنسانية.
ثقل يتلو ثقل، ورحلة تستوجب عليك التزود بالعدة والعتاد قبل المضي فيها، أن تصقل قلبك وتقويه حتى يتحمل التجريح والتخلي والخيانة والاستهزاء والسخرية، وأن تدرك أنه حتى أقرب الناس إليك سيضيق ذرعا باهتماماتك وأحلامك التي تركض وراءها. أن تتعلم كيف تربت على كتفك وكيف تصفق لنجاحك، أن تشحن نفسك وتنطلق وحدك في سبيل تحقيق ما ترنو إليه، ببساطة يا صديقي في طريق الحق يجب أن تتأقلم على السير وحيدا وأن لا تنتظر دعما من أحد لأن ذلك سيقتل همتك ويثبط عزيمتك والخوف كل الخوف أن يقتل حماسك فيعتريك البرود.
أن تحمل هم دعوتك فتعيش لها وبها ولأجلها وتكون خير واجهة، تهذب أفعالك وتضبط انفعالاتك لترسم بذلك مثالا مشجعا للاقتداء بك. يسألونني ماذا يعني أن تكون شخصا صاحب رسالة؟ وأنى الوصول لذلك ونحن لا نملك لا جاها ولا سلطة؟ أجيب وأقول إن الرسالة لم ترتبط يوما بما سلف ذكره إنما كان ذلك داعما لها وسنداً لكن لم يكن يوما ركنا منها. الرسالة هي هدف نبيل تسعى لتحقيقه، أن تستغل واقعك وتأقلمه بالنحو الذي يرضيك وتترك بصمتك فيما تصنع أو تعمل. هي أن تحتسب خطواتك وأنفاسك وجهدك لله وأن تزرع بذور الخير أينما كنت علك تجني ثمارها يوما ما.
ستكتشف الكثير من الأمور في طريقك فقضيتك التي تحفظها هي من تحفظك، صلاتك وسلوكك وحتى اهتمامك سيتغير تدريجياً، ستنتبه لأمور كنت تغفل عنها، حتى إعجابات الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي ستضع لها ألف حساب. مع الوقت ستصير كالنحلة دأبها العمل لا تتتبع إلا زهراً عطراً ولا تعطي إلا شهداً صافياً، فهنيئا لك. صحيح أنها حمل ثقيل خصوصا حينما ينتقدك أهلك وكونكِ ربما فتاة فهذا سيتعارض كثيرا مع ما يمليه المجتمع من عادات وتقاليد بالية فكيف للتي يجب أن يكون تفكيرها منحصرا في دراستها عملها وبيت الزوجية أن تخرج من تلك الدائرة الضيقة وتشغل بالها بقضايا الأمة بينما كان الأجدر بها أن تحصر تفكيرها في فنون الطبخ وأحدث أنواع الموضة والأثاث والسياحة والعزومات بالإضافة إلى أحاديث النساء التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
حينما تعيش لرسالتك، ويتمكن ذلك الهدف العظيم منك ويندمج فيك كأنك هو وكأنه أنت ستسطر حياتك وفقه، حتى التعب سيكون راحة لأجله بل يتعدى ذلك ويصبح تطوعك هو الوقت الذي من المفترض أن يكون إجازتك |
وكيف لشاب في مقتبل العمر أن يتخلى عن السهرات والشلة والركض خلف المال! فتجده منعزلا مع كتب تثري فكره وجمعيات ومؤسسات لا يصيب منها ربحا ماديا، يتعب معهم ويقضي كل وقته في مساعدتهم تطوعا لا طمعا في جاه أو سلطة، وأحيانا يتخلى عن رفاهية المدينة ويختار دولة نائية تحتاجه فيكرس جهده خدمة لناسها تبليغا لما يؤمن به. الآن نستطيع القول أن ذلك الهدف السامي والجو المضني هو أروع وأنفع من أجرة عالية، فإن كانت مكافئة الجيوب المال فمكافأة الروح والنفس بذور العطاء والخير التي تغرسها، وحصادها هي تلك الطمأنينة والرضى والسعادة التي تجتاح جوارحك حينما يلمس يدك طفل صغير ساعدته أو تقبلك عجوز وتدثرك بالدعاء. ستجد نفسك يا صديقي ودون علمك كالسمكة التي لا تقوى على العيش خارج هذا الجو وكأنك حكمت على نفسك بالمؤبد وما أجمله.
ستفتش في رفيقتك عن الإنسانة قبل أي شيء آخر، فأنت لا تستطيع قضاء ما تبقى من عمرك في تفسير ميولاتك واهتماماتك وحتى تنازلاتك أنت تريد سكنا يحميك من صخب الخارج ويقيك من حجارة التجريحات والإتهامات، أن تجد وباختيارك سندا يقوي ظهرك ويؤنسك في طريق طالت وحشتها، ببساطة ستبحث عن نصفك الآخر في مكان ما ولن تهدأ حتى تجده، أما أنت يا صديقتي فستعانين من أسئلة أهلك المتكررة عن أسباب رفضك ذلك الخاطب المثالي، مال، جاه، جمال وشهادة ويتعدون ذلك إلى الشك أن هنالك من يحتل قلبك، لا تقلقي ستعتادين وستتأقلمين ولن تجدي ضرورة لشرح منظورك الخاص أو أن تخبريهم كل مرة أنك لا تستطيعين العيش مع شخص يركض خلف منصب ومال وكل همه وجبة دسمة، زوجة جميلة و أولاد هادئون، حياة قد تبدوا مغرية لبعضهم لكن ليس أنت.
أدرك أنك تخطيت ذلك منذ زمن، أعلم أنك تحلمين بذلك الشاب الذي يدفعك للأمام رجل يكون جيشك وجمهورك، حلمك أن تأسسا جمعية أو تنخرطا في أي عمل تطوعي أو رسالي ذا قيمة، أن تنظرا لولدكما القادم كفاتح لا كطفل. هو ذلك الهدف العظيم حينما يتمكن منك ويندمج فيك كأنك هو وكأنه أنت ستسطر حياتك وفقه، حتى التعب سيكون راحة لأجله بل يتعدى ذلك أن يصبح تطوعك أحيانا هو الوقت الذي من المفترض أن يكون إجازتك أو راحتك، إذا أحسست أنك معني بما كتبت، فأنا أبارك صحوتك وهمتك وأدعوا الله لي ولك بالتوفيق والسداد لما يحب ويرضى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.