تعددت الأحزاب والجماعات الإسلامية في بلاد المشرق والمغرب والعديد منها حط رحاله في أوروبا فمنها من لديه أصول سلفية وأخرى إخوانية وأخرى صوفية وما إلى ذلك من الألوان والأطياف السائدة في بلدان المشرق والمغرب.
فأخذت المراكز والمؤسسات في أوروبا تتلون بألوان هذه الجماعات فهذا مسجد سلفي وهذا إخواني وذاك صوفي ولكل درجات من حدة اللون وفقاعته رغم أن هذه المراكز والمؤسسات لا تعلن بشكل واضح عن هويتها وانتمائها لأنها تعمل تحت سقف جمعيات النفع العام المستقلة. وحتى وإن كان المركز "مستقلا" فإنه يسمى عادة بإحدى هذه الألوان ولو أقسم بالله أغلظ الإيمان غير ذلك.
وهذا يرجع إلى عقلية البعض الذين تستهويهم قضية تصنيف الأفراد والكيانات. ولا حرج في وجود التنوع في الجماعات طرقيا أو مذهبيا أو فكريا فالدين الإسلامي ليس فيه سلطة دينية واحدة تفرض سلطتها على جميع المؤمنين. ومن عظمة الإسلام وإمكانية صلاحه لكل زمان ومكان هو ثوابته البسيطة المعدودة التي يستظل بظلها جلّ هذه التيارات والتي من التزم بها من غير زيادة ولا نقصان دخل الجنة سوياً مع ذلك الأعرابي الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح ودخل الجنة إن صدق. بينما نجد هناك التنوع والاختلاف في دائرة التفاعلات مع الواقع ففضائها واسع فسيح نختصرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم أعلم بشؤون دنياكم.
هذه التحديات وغيرها تتطلب منك أيها الأوربي المسلم الخروج من دنيا التقليد والدخول لدنيا الإبداع ورفض دنيا الإتباع والانطلاق إلى دنيا الحرية ونبذ دنيا التلقين للعبور إلى دنيا التأمل والتساؤل والبحث |
نحن نعيش في عالم متغير متشابك مترابط والتطور السريع في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات زادته تعقيدا وتشابكا فأصبحت الأحداث الخارجية وما يجري حولنا له عظيم الأثر إن كان سلبا أو إيجابا. فما يجري في خارج أوروبا سرعان ما يلقي بظلاله على واقعنا، ومنطقة الشرق في مخاض قد يطول أو يقصر وتجاذباتها كثيرة وهي ملعب كبير لقوى إقليمية وقوى كبرى. فدنيا الشرق غير دنيانا في أوروبا فعلى المسلمين في أوروبا ترتيب أولوياتهم وأمورهم بعيدا عما يجري هناك في دنيا المشرق إن أرادوا العبور إلى مستقبل مشرق.
والبداية هي في البحث عن نماذج فكرية محلية فعالة. نماذج منطلقة من واقعنا الأوربي متفاعلة مع محيطه ومؤسساته وفضاءاته الواسعة والتي من خلالها يتعمق فهمنا للدين والفكر الديني. ولا شك أن هذا يعتريه كثير من التحديات لعل من أهمها:
1- تحدي نشر ثقافة الحوار وطرح أفكار إبداعية منسجمة مع الواقع والمحيط، بعيدة عن أفكار النسخ واللصق التي اعتاد عليها الأفراد والجماعات المهاجرة من دنيا الشرق إلى دنيا أوروبا.
2- الوضوح والجرأة في أن تعلن المؤسسة عن هويتها وانتمائها الطرقي أو الأيديولوجي لما لهذا الأمر من أهمية على استقرار هذه المؤسسات إدارياً لأن تداول السلطة الإدارية في هذه الحالة سينحصر بين أفراد هذا التيار أو ذاك فتحافظ المؤسسة على انتمائها وهويتها، بدل اللجوء إلى الطرق البراغماتية التي لا تليق بمن يعمل في الحقل الديني للحفاظ على السلطة داخل هذه المؤسسة. تجاوز هذا التحدي هو أيضاً من القضايا الهامة لإشاعة جو الاطمئنان والاستقرار والأمان بين أفراد هذه التوجهات المختلفة وشعورهم بالاعتراف المجتمعي، بالإضافة إلى أن هذا الوضوح يعطي مساحة لمؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في تطوير هذه المؤسسات علاوة على قدرة أفضل في بناء تعاونات واضحة ومستديمة.
3- ومن التحديات الهامة أيضاً التي تجعل الأقلية المسلمة بعيدة عن دنيا أوروبا وروح الدين الإسلامي هو عدم مشاركة المرأة بشكل فاعل وحقيقي داخل المؤسسات والمراكز الدينية فنادراً ما تجد امرأة في مجلس ديني أو مركز صغر هذا المركز أم كبر. وغياب المرأة وما تحمله من أفكار وخبرات وتنوع يفقد هذه المؤسسات الدينية بعداً هاما من أجل الارتفاع بمستواها الحضاري والقيمي والعلمي.
هذه التحديات وغيرها تتطلب منك أيها الأوربي المسلم، أيتها الأوربية المسلمة خروجك من دنيا التقليد ودخولك دنيا الإبداع ورفضك دنيا الإتباع والانطلاق إلى دنيا الحرية ونبذك دنيا التلقين للعبور إلى دنيا التأمل والتساؤل والبحث والتفكير، فما هذه الحياة إلا دنيا واحدة فكن بشؤونها عليما خبيرا واختر الدنيا التي فيها الخير لك ولمجتمعك ولآخرتك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.