في الوقت الذى وصفت به بعض الدول العربية حركة حماس بوسم "الإرهاب" ومحاولة دول أخرى نافذة كأمريكا العمل على مساواتها مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وأيضاً مع استمرار عزلة حماس منذ 11 عام مع امتداد الحصار على قطاع غزة خلال هذه الفترة، واستمرار الانقسام الفلسطيني الذى جعلها فاعلاً سياسياً في منطقة جغرافية محدودة جداً لا تعطيها الإمكانيات لصنع الحدث، فقد رأت نفسها بعيدة عن الطريق إلى مسلك لا يجعلها في موقع سياسي موائم لوجهة نظرها الدائمة بأنها حركة تحرر وطني تسعى لخلق السياسة والظروف الملائمة لاستمرار المقاومة والحديث عن فلسطين التاريخية وكسب السياسة الدولية وشرعيتها وتوظيف القوانين الدولية في ذلك.
إن إعلان خالد مشعل "وثيقة المبادئ والسياسات العامة" في شهر أيار (مايو) من هذا العام قبل انتهاء ولايته من قيادة الحركة أعطت تصوراً شاملاً لخارطة الطريق المعدة خلال السنوات القادمة في السعي لكسر حالة الجمود السياسي التي وصلت إليها حماس، والعمل على الانخراط في "السياسة الواسعة" المؤثرة في المسألة الفلسطينية الأزمة المستمرة مع مرور الزمن وتبدل الأزمات والسياسات حول العالم.
تتمثل بداية الخروج من "المأزق" السياسي الراهن في إنهاء الخلافات مع حركة فتح والعمل على تخطي حلقة الانقسام الفلسطيني وملئ الفراغ السياسي الذى ترك مساحة واسعة لنقاط الخلافات، ويتمركز هذا المحور بإيجاد سياسة تكاملية دامجة بين التحرك السياسي الحثيث على مستوى الحفاظ على الحقوق الفلسطينية داخل المؤسسات والمجالس الدولية وفِي محور العلاقات الخارجية، وأن تكون حامية لوجود المقاومة الفلسطينية بجميع أشكالها والمسلحة منها وتسخير قوانين الأمم المتحدة الضامنة لاستمراريتها كبلد وشعب خاضع تحت الاحتلال، وكذلك العمل على بلورة خطاب إعلامي فلسطيني موحد في المحافل الدولية لإيجاد رؤية فلسطينية واضحة.
إن لقاءات القاهرة التي قطعت شريط الطريق للبدء في العمل الجاد ومحاولة الوصول إلى النهاية بين الأطراف الفلسطينية تعتبر خطوة هامة لحماس في إنهاء دائرة الصراع الأولى لتُعطى حرية التحرك في الساحات الخارجية وتحقيق المكاسب السياسية على منصاتها والتي توجها مباشرة موسى أبو مرزوق في زيارته موسكو لاطلاع الطرف الروسي على آخر المستجدات داخل الأروقة الفلسطينية ليولي اهتماماً لوجهة النظر الروسية وكذلك كسب درجة متقاربة لها.
إن صح ما يتم تداوله من مصطلح "الصفقة الكبرى" التي محورها القضية الفلسطينية ورفع الفيتو الأمريكي (الإسرائيلي) عن معيقات إنجاز المصالحة الفلسطينية لتمريرها، فإن هذا التصور يعطى بأن توقيت دخول حركة حماس في فلك المجتمع الدولي في هذه اللحظة يعتبر هاماً جداً في تحركها السياسي وفق نظرتها في طرح ورقة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، فهي بذلك قد عطلت هذه الصفقة في الوقت الراهن بقلبها جميع التكهنات في مبادرتها بالذهاب إلى مصر، وكذلك بإمكانية الاعتماد على العامل الزمني في استمرار التمادي مع مسوقيها في الوقت الذى تُمارس به الحقوق المشروعة من المقاومة.
ابتعاد حماس عن المشهد السياسي الفلسطيني خلال هذه الفترة أبرز ما أفرزته لقاءات القاهرة هل ستبقى بعيدة عنه أم أن لها رأيٌ آخر؟ يعتبر التوجه داخل التنظيم المبني على رؤية الممارسة السياسة الدولية لا يتحقق إلا بالممارسة السياسية الداخلية لتكتسب الصفة القانونية في تحركاتها خارج حدود فلسطين، وبعد 11 عام من قيادتها الحياة السياسية في قطاع غزة وما نتج عنها تعطينا 3 أطروحات لقراراتها التي ستتخذ في هذا الشأن :
1- تعتبر الحركة أن الشراكة السياسية مع بقية الفصائل ستكون ذات تأثير كبير وخاصة في حالة الوصول إلى مرحلة التوافق وتبادر الأدوار على المنصات الأممية ومن زاوية أخرى ستعطيها حرية حركة خارجية أوسع.
2- المشاركة في الانتخابات بثقل بعد تحقيقها لمكاسب سياسية دولية وفتح قنوات جديدة مؤثرة قادرة على استيعابها وإعطاؤها الساحات وتقديم الدعم السياسي لها في سبيل طرح رؤيتها السياسية.
3- والطرح الأخير الذي ربما يكون مستبعداً إلى حدٍ ما، تقديم الدعم السياسي لشخصية مستقلة في الانتخابات الرئاسية والدخول المحدود في الانتخابات التشريعية، وخوض التجربة اللبنانية، فالنموذج اللبناني المتمثل في حزب الله لم ينجح في سياسة مشابهة لهذه، فالتنظيم مقيداً والسياسية اللبنانية دخلت في تجاذبات عدة لعدم استقلالية قراراتها.
إن "رضوخ" حركة حماس لدخول الغمار مع الدول المارقة وسياستها والعمل على إيجاد الفرص المناسبة لكسب المزيد من الداعمين والمؤيدين للحقوق والثوابت الفلسطينية ستشكل نقلة نوعية لدى أكبر فصيل تحرر وطني في التاريخ الحديث وتاريخ القضية الفلسطينية، فالعباءة الدولية الطولى لها التأثير الأكبر من الفلسطينية التي تحتاج لمرونة أكبر في التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية والعمل على صناعة العباءة المناسبة للتطورات المختلفة، فالحالة الفلسطينية في أمس الحاجة للدخول في المعترك الدولي بعيداً عن استمرارية الاستنجاد والتنازل للكيان الصهيوني.
في نهاية حديثنا، إن حركة حماس باتت على القناعة بأن المقاومة المسلحة عملية تكاملية مع العملية السياسية وأنها قررت الخوض في سياسة المجتمع الدولي التي تحتاج للعلاقات الدبلوماسية المؤثرة، وأيضاً للوبيات وجماعات الضغط التي باستطاعتها تغيير مسار بعض القرارات السياسية، بالإضافة إلى رسم الذهن الهندسي الذي تدار به السياسة الدولية للقدرة على الدخول في أنفاقها ودهاليزها. يبقى السؤال الهام، هل حركة حماس قادرة على توسيع نطاق نشاطها السياسي وتحقيق الأهداف المرسومة! الخمس سنوات القادمة ستعطينا الإجابة على ذلك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.