شعار قسم مدونات

وقفة مع الحركة الطلابية السودانية!

Blogs-sudan
قبل أيام وأنا أطالع في أخبار الصحف عن انعقاد المؤتمرات الولائية للاتحاد العام للطلاب السودانيين تمهيداً لانعقاد مؤتمره العام، فجال في خاطري تاريخ الحركة الطلابية السودانية الرائدة التي تُمثل تاريخاً ناصعاً وماضياً تليداً في تاريخ السودان الحديث، فدور السودان الرائد في حركة التحرر من المستعمر والثورات، كان للحركة الطلابية الأولى القدح المعلى وحظ السبق فيه، فتاريخها حافل بالمواقف والتجارب والتحديات والانجازات لكن ما كُتب عنها حتى الآن ما هو إلا نذر قليل لا يليق بما قدمته الحركة الطلابية في البناء السياسي والنقابي في المجتمع.
          
ولعل كلية غردون قديماً جامعة الخرطوم الآن تمثل رأس الرمح في حركة الوعي السياسي والاجتماعي، فكلية غردون ساهمت بنشاط فاعل في مجري الحركة الوطنية السودانية منذ ميلادها، فحمل العام 1931م أول بذرة إضراب لطلابها ضد سياسة الكلية التي كانت تمنع الطلاب من ذكر جنسيتهم وتستبدلها بقبائلهم، وكان الغرض من ذلك ألا يشعر الطلاب بالوحدة الوطنية، فكان اعتصامهم ورفضهم لسياسات الكلية رسالة أولى من الحركة الطلابية نحو التحرر والاستقلال، واستمر النشاط الفاعل لطلاب كلية غردون نقابياً وثقافياً وإجتماعياً في صناعة الوعى المجتمعي السوداني إلي أن تبلور ذلك في مؤتمر الخريجين 1938م.
               
مؤتمر الخريجين، سيطر مؤتمر الخريجين على مجري الحركة الوطنية منذ تأسيسه، فكانت لجان التأسيس تعمل في نشاط مكثف حتي انعقدت دورته الأولى بمشاركة 1180 خريجاً وفي أجواء نقابية ساخنه انتخبت أول هيئة ستينية له وكان لإسماعيل الأزهري شرف أول سكرتير له ليصبح بعدها أول رئيس للسودان بعد الاستقلال في 1956م، واستمر مؤتمر الخريجين لثماني دورات متتالية كان لها إسهاماً كبيراً في مسيرة الحركة الطلابية السودانية، ومسيرة الوعى السياسي في البلاد.
     

يكفي الحركات الطلابية شرفاً أنها في كل المراحل كانت الرافد الحقيقي لقيادة الدولة والبلاد في شتي المجالات ولعلك لا تجد قائداً سودانياً إلا وكان له سهم في مسير الحركة الطلابية 

اتحاد الطلاب، لم تكن الاتجاهات السياسية قد ظهرت عند تكوين أول اتحاد لطلاب كلية غردون في 1941م وكان الترشح يتم على أسس فردية، وأول اتحاد كان يمثل طلاب المدارس العليا المقيمين في العاصمة وانتخب أحمد خير أول رئيس له ومبارك زروق نائبا للرئيس واقتصر نشاطه على النشاط والثقافي والاجتماعي وبعض من النشاط السياسي داخل حرم الكلية وفق تصريح السلطات، وتزامن ذلك مع قيام مؤتمر الخريجين.
          
عند تحويل المدارس العليا في كلية غردون إلى جامعة الخرطوم في 1945م أصبح للاتحاد دور أكبر وسط الطلاب والحياة السياسية في السودان برز من خلالها اسم جامعة الخرطوم عالياً في مسيرة الحياة السياسية في القارة السمراء والمنطقة العربية. يمثل مؤتمر الخريجين البذرة الأولي للحركة الطلابية السودانية، ولكن لحماسها وريادتها فاستمرت وتطورت الحركة الطلابية فجأت حركات الوسط السياسي في الخمسينيات وبرزت الأدوار السياسية للطلاب بشكل أكبر فكانت الجبهة الديموقراطية والجبهة الاسلامية، إلي مؤتمر الطلاب المستقلين في الستينيات وصولا إلى حركة الطلاب المحايدين في السبعينيات، والتنافس الشرس في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وما صحبها من أحداث في الثمانينيات، انتهاء إلى طلاب الجبهة الإسلامية التي عُرفت بثورة الإنقاذ في بداية التسعينيات.
       
أحداث وأحدث قادها الطلاب في القرن المنصرم غيرت وجه السودان وتنازعت حول الحركة الطلابية كل الأطراف في تلك الفترات، ويكفيها شرفاً أنها في كل المراحل كانت الرافد الحقيقي لقيادة الدولة والبلاد في شتي المجالات ولعلك لا تجد قائداً سودانياً إلا وكان له سهم في مسير الحركة الطلابية التي أصقلت تجربته وساهمت في بناءه! تظل الحركة الطلابية السودانية المعين الذي لا ينضب، والطاقة التي لا تعرف السكون، والحماس الذي لا يهدأ في جميع المناحي السياسية والاجتماعية والثقافية وإن تأخرت في مجال فحتماً لها الاشراقات في المجالات الأخرى.
          
الحركة الطلابية اليوم اتجهت صوب العمل الطوعي والاجتماعي فأعدادا من الطلاب يشكلون النواة الحقيقية للمنظمات والمبادرات والجمعيات يمثلون فيها القلب النابض والدنمو المحرك لذا نجدها توسعت وانتشرت وخرجت من سوح الجامعات ليشمل أثرها كل المجتمع. ولعلنا نجد أن العمل الطوعي سحب البساط كثيراً من النشاط السياسي الذي انحسر وقل رواده من الطلاب لأسباب عدة نكتب عنها لاحقاً، لكن ظلت الفئة التي تقود العملية السياسية هي المؤثرة والقائدة في مجريات الحركة الطلابية في الجامعات برغم من انتشار العمل الطوعي ومؤسساته وكثرة رواده من الطلاب. وما بين الأمس واليوم تظل الحركة الطلابية الماضي والحاضر وكل المستقبل، لكنها تحتاج إلى كثير من الرؤى والأفكار التي تواكب هذا العصر ومتطلبات هذا الجيل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.