خلال ساعات كان المئات من ضباط وعناصر الشرطة العسكرية تحاصر قسم شرطة القاهرة الجديدة مرددين هتافات ضد الشرطة، وتبادلوا الرشق بالحجارة مع قوة القسم، وتطور الأمر إلى تبادل إطلاق نار أسفر عن إصابة ضابط بالقوات المسلحة برصاصة في الفخذ الأيمن، ولم تهدأ الاشتباكات إلا بعد وصول مدير أمن القاهرة وقائد المنطقة المركزية العسكرية إلى موقع الأحداث.
قبل هذه الواقعة بثلاث سنوات هاجم عشرات من طلبة الكلية الحربية قسم شرطة مدينة 15 مايو في حلوان، وألحقوا به دمارا واسعا وأحرقوا سيارات الشرطة المتواجدة أمامه، واعتدى الطلبة على عدد من عساكر القسم، وذلك بسبب شكوى طالب في الكلية الحربية لزملائه من سوء معاملة قوة شرطة استوقفته في شوارع المدينة.
اشتباكات أخرى كثيرة وقعت بين ضباط الجيش والشرطة خلال الأعوام الأخيرة في محافظات بور سعيد والإسكندرية والجيزة والقاهرة، لا يسعني المجال هنا لإحصائها وذكر تفاصيلها، لكن أكثرها طرافة بالنسبة لي المواجهات التي وقعت أمام قسم إمبابة حين أطلقت قوات الجيش قنابل الغاز على قوات الشرطة التي تحصن أفرادها داخل القسم، فهتف العشرات من عناصر الشرطة "يسقط يسقط حكم العسكر".
العلاقة بين ضباط الجيش والشرطة في مصر حساسة جدا وبينهم احتقان وتوتر وحقد كبير، فقبل ثورة يناير أعطى نظام مبارك سلطة كبرى لضباط أمن الدولة وصلت لدرجة أنهم كانوا يكتبون تقارير أمنية عن ضباط الجيش تسببت في فضح بعضهم أو إيقاف ترقيتهم وإنهاء خدماتهم، وعندما قامت ثورة يناير والتي خرج المتظاهرون فيها بالأساس يوم عيد الشرطة ضد ممارسات وقمع الداخلية، انكسرت شوكة ضباط الشرطة وجروا في الشوارع بعد حرق أقسام الشرطة وتجريدهم من الزي الميري واحتموا بقوات الجيش.
ومن بعد الثورة وضباط الشرطة "عينهم مكسورة" أمام ضباط الجيش لأنهم يعتبرونهم الذين أنقذوهم من الغضب الشعبي عندما نزل الجيش الشارع، لكن ظلت العلاقات متوترة بين الطرفين، وحدثت مواجهات كثيرة بعد ثورة يناير كما استعرضت سابقا، استدعت عام 2013 تدخل الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، واللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية آنذاك، للصلح بينهما.
ففي مسرح الجلاء للقوات المسلحة عقد لقاء صلح جمع المئات من ضباط الجيش والشرطة بحضور الوزيرين ومفتي الجمهورية السابق الشيخ علي جمعة، وجعلوا كل ضابط جيش يجلس بجانبه ضابط شرطة لمحاولة كسر الحواجز بينهما، ودخل وزيرا الدفاع والداخلية القاعة وهما رافعان وممسكان بأيديهما وكأنهما إيد واحدة، بعدها أنتج الجيش فيلم تسجيلي بعنوان "الجيش والشرطة… جناحي أمن الوطن" يستعرض الجهود الأمنية المشتركة في محاربة الإرهاب، لمحاولة التخفيف من حدة التوتر بين الطرفين.
حدث هذا التوتر ظهرت مؤخرا في تعامل الدولة ممثلة في قيادة عسكرية وهو المشير عبد الفتاح السيسي مع القتلى من ضباط وجنود الشرطة في هجوم الواحات الأخير والذي قتل فيه 11 ضابطا من نخبة الشرطة و5 جنود ورقيب بحسب بيان الداخلية، حيث تعاملت الدولة بـ "تدني" واضح مع ضحايا الشرطة ولم تعامل القتلى معاملة لائقة مشرفة مقارنة بضحايا ضباط الجيش، واستعرض هنا الفرق في التعامل مع ضحايا الطرفين:
– لم يصدر المتحدث العسكري بيان نعي على صفحته الرسمية، رغم إن الشرطة دائما ما تنشر على صفحتها الرسمية نعي لضحايا القوات المسلحة وعزاء لأهاليهم.
– لم تعلن الدولة الحداد الرسمي على ضحايا الشرطة، والعكس يحدث تماما مع ضحايا الجيش.
– لم يعلن التلفزيون المصري والإذاعة الحداد وإذاعة القرآن الكريم، مقارنة بهجمات مماثلة قتل فيها ضباط من الجيش.
– لم يدعو السيسي لجلسة طارئة لمجلس الأمن القومي، رغم أنه دائما ما يدعو لمثل هذه الجلسات بعد هجمات ضد قوات الجيش.
– لم تعلن رئاسة الجمهورية تنكيس الأعلام، بالرغم أن الأردن نكست علم الديوان الملكي تضامنا مع مصر!
– بيان وزارة الداخلية عن الحادث تم نشره على التلفزيون المصري عبر اتصال هاتفي من مراسلهم، بينما بيانات الجيش يتم تسجيلها مسبقا ويلقيها متحدث عن القوات المسلحة.
– لم يضع التلفزيون الرسمي شارة سوداء، مقارنة بحوادث مشابهة قتل فيها ضباط جيش.
– تغطية الصحف الرسمية لخبر مقتل ضباط الواحات كان في جزء من عمود جانبي أسفل الصفحة الأولى، بينما أخبار ضحايا الجيش تكون "مانشيت" رئيسي في الصحف القومية والخاصة.
– لم تقام جنازة عسكرية مجمعة في القاهرة لضحايا الشرطة يحضرها السيسي وكبار رجال الدولة، أسوة بجنازات ضحايا ضباط الجيش.
– التجاهل التام من السيسي لمدة يومين، حيث لم يعلق على المجزرة ولم يقدم العزاء لأهالي الضحايا رغم إنه ألقى خطابا بعد الهجوم بـ 20 ساعة في العلمين بمرسى مطروح، في حفل إحياء ذكرى الحرب العالمية الثانية، وفي اليوم التالي سافر إلى فرنسا.
وأنا أكتب هذه السطور نشرت وسائل إعلام عربية نقلا عن مصادر سياسية مصرية "قيام رئيس جهاز المخابرات العامة الوزير خالد فوزي بمحاولات لتلطيف الأجواء والمصالحة بين المؤسستين الأمنية والعسكرية بسبب خلافات عنيفة اندلعت بينهما بعد مجزرة الواحات، ولتهدئة غضب قيادات وضباط الداخلية عقب مقتل زملائهم وسط موقف رسمي وصفوه بالمتخاذل والمتجاهل لتضحياتهم على عكس ما يحدث مع زملائهم في الجيش عندما يتعرضون لأحداث مماثلة في سيناء".
بكل تأكيد دولة الجيش تعامل ضباط الشرطة كضباط درجة ثانية، وضباط الشرطة يشعرون وغاضبون من هذا الفرق والتدني في معاملتهم مقارنة بضباط القوات المسلحة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.