ألقى الخلاف بين الأشقاء في دول الخليج العربي بضلاله على الثورة السورية في زمن حرج من عمرها وأثقل كاهلها بزيادة التشتت وشح الدعم ليس في الجانب السياسي والعسكري فقط بل حتى في الجانب الإنساني.
ودون شك أن الخلاف بين الأشقاء في دول الخليج صب في صالح نظام الأسد وحليفه الإيراني بالدرجة الأولى، بينما كانت الثورة السورية المتضرر الأكبر دون منازع، وقد نلحظ ذلك من خلال توقف عملية جنيف التفاوضية التي تسعى إلى تغيير النظام في سورية وتحقيق انتقال سياسي كامل حسب ما ورد في القرارات الدولية الخاصة في الشأن السوري وهنا نتحدث بالتحديد عن القرارات ٢١١٨ والقرار ٢٢٥٤، وهو ما استثمره النظام خير استثمار من خلال التركيز على الحل العسكري الذي لم يعرف غيره على مدى السنوات السبع الماضية، وسعى من خلاله لتوسيع نفوذه العسكري وضم مناطق جديدة برفقة ميليشيات إيران الإرهابية.
كما ألقى الخلاف الخليجي بضلاله على الدعم العسكري المقدم لفصائل المعارضة السورية، مما أضاع فرصة ثمينة كانت متاحة أمام الثوار للتحرك في الجنوب السوري تجاه البادية ومحافظة دير الزور، حيث كانوا هم الأقرب لها، وقطع الطريق على الميليشيات الإيرانية بشكل كامل وإفشال مشروعها الاستراتيجي بفتح طريق ممتد من طهران إلى بيروت مروراً بدمشق وبغداد. وهنا بالتحديد نجح النظام والمليشيات الإيرانية والروسية الإرهابية في مشروعهم بالسيطرة على أجزاء واسعة من مناطق شرق سوريا وبالتحديد "دير الزور"، وهذا بالنسبة لهم غنيمة كبيرة ليس لنجاحهم في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وتحييد سيطرتهم على أجزاء من الأراضي القاحلة بل الغنيمة تكمن في الجانب الاقتصادي فالمنطقة تعوم على بحر من الذهب الأسود.
إن العلاقات الخليجية المتوترة لا يمكن لها أن تستمر، ومن المؤكد أن أطرافها قد تجاوزت العقبة الأكبر التي تقف أمام عودة الأجواء إلى ما كانت عليه في السابق، وهذا الأمر الذي لا تريده إيران! |
وعلى المستوى السياسي لم توفر إيران أو روسيا فرصة فرض رؤيتهما للحل السياسي في سورية، بعد تراجع مستوى الدعم للمعارضة السورية بكافة فئاتها، وهو الأمر الذي جعل قوى الثورة في تراجع ملحوظ ومستمر يضاف إلى التراجع الدولي عن تطبيق القرارات الدولية سواء كان تحقيق الانتقال السياسي أو محاسبة المجرمين المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب بحق المدنيين. وهنا لا بد من الإشادة بموقف المعارضة السورية بكافة أطيافها السياسية والعسكرية والمدنية التي أظهرت وعياً كاملاً بما يحدث من حولها، واتفقت على أن تأخذ موقف حيادي، واستمرار التعامل مع الأشقاء الخليجيين على نفس السوية وكسب دعمهم المستمر لقضية الشعب السوري بنيل الحرية والكرامة.
فبعد دراسة الأثر السلبي الذي تركه الخلاف الخليجي على الثورة السورية وأبعاده كان الموقف هو الوقوف على مسافة واحدة من جميع أطراف الأزمة وخصوصاً أننا بحاجة دعم الجميع دون استثناء، وهو الأمر الذي يحسب لصالح الوعي السياسي لدى أطرف المعارضة السورية. لكن تمسك فئات المعارضة السورية بموقفها الإيجابي قابلها محاولات بعض القنوات المسيرة من قبل المستفيدين المباشرين من ذلك الخلاف، إلى تغيير تلك المعادلة، ووضع قوى الثورة أمام خيار وحيد وهو الاصطفاف إلى جانب واحد من أطراف الأزمة الخليجية، مما يعني زيادة الشرخ والانقسام بين أجسام المعارضة.
إن العلاقات الخليجية المتوترة لا يمكن لها أن تستمر، ومن المؤكد أن أطرافها قد تجاوزت العقبة الأكبر التي تقف أمام عودة الأجواء إلى ما كانت عليه في السابق، وهذا الأمر الذي لا تريده إيران، أو على الأقل تتأمل بتفتيت المعارضة السورية أكثر قبل تجمع مجلس التعاون الخليجي من جديد، لذلك على الجميع الوقوف على مسافة واحدة، والعمل على مصلحة قضية الشعب السوري في إسقاط النظام ونيل كامل حقوقه بالحرية والكرامة والديمقراطية. ونحن بدورنا نؤكد أن الأزمة بين الإخوة لابد أن تجد لها طريقاً نحو الحل فلا يوجد رابح وخاسر بينهم بل يوجد من يستغل هذه السحابة الصيفية لتحقيق مشروعه التوسعي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.