الفعل أبلغ منطقاً من كلماتٍ لا تسمن ولا تغني من جوع، العمل أفضل حالاً من شعاراتٍ جوفاء ووقفات احتجاجية، لكِ الله غوطتي وثلة قليلة من المخلصين الذين ما زالوا على العهد، لن يدخروا جُهداً في إنقاذكِ، ألم يكن مصابكِ مصاب النبي وصحبه رضوان الله عليهم أجمعين في شعب أبي طالب، فرجٌ قريب والله المستعان، ذبُلت الأجساد وجفت الأكباد وقرقرت البطون وظمئت الأجواف، شيوخ يئنون وأطفال يصرخون ومرضى يتوجعون ورجال حائرون، وحبيب الله عليه أفضل الصلاة والسلام ينظر إلى حالهم ويتفقدهم ويعينهم في قضاء حوائجهم في حصارهم الذي فرضه عليهم استكبار قوم على الحق ورفضهم الإقرار به رغم وضوح بطلان ما عاكسه لكنها النفس البشرية التي فطرت على التعنت والعناد حتى لو كان الضحية أطفالاً وشيوخاً ونساء.

شُلَّت يد من كتب الصحيفة التي تقتضي بالتجويع والحرمان بفعل دعاء المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم، فلتُشل يد كل من ساهم بتجويع أطفال غوطتنا وأهلها، فلتُشل أيدي مجتمعات دولية تتشدق بالديموقراطية وتتغنى بالحريات الشعبية، وهي غارقة حتى رأسها بدماء أطفال شامنا ونساءها، فلتُشل أيدي كلُّ من لجأ إلى أضعف الإيمان وكان بمستطاعه أن يفعل أكثر، فلتُشل أيدي أدعياء الدين وتجار الدماء، فلتُشل أيادي كل من امتد لأهلنا بسوء ولتبتر أيدينا إن وقفنا صامتين، لا تُحرِّكنا أدمع الجائعين ولا صيحات المقهورين ولا نداء البائسين.
الجوع يفعل الأفاعيل، ألم يشنق نفسه شاب لم يتجاوز السابعة عشر من عمره بفعل الجوع والضعف والخذلان، يخيل إلي أن ذلك الحبل الذي التف على رقبته لم يكن إلا صمتنا وسكوتنا عن الحق ونسيان أهل لنا في الجنوب يقاسون ما يقاسون، يخيل إلي أن آخر أنفاسه لعنة ستحط علينا إلى يوم الدين، يخيل إلي العجز الذي لحق به، أي شعور إنساني أقسى وأمر من العجز، يرى أهله ورفاق دربه وأصدقاءه والجوع ينهش منهم، ويأكل من أرواحهم، ويقتات على أجسادهم، العجز هو الذي شنقه كذب من قال أنه انتحر بل نُحر على أيدي الطاغوت وجنده وزبانيته.
الجوع كافر، والجائعون مسلمون، مؤمنون، موحدون، لكنه جندي قد سُلط عليهم من الحاقدين، الظالمين، لن يتركوا شيئاً من أدواتهم التي امتلأت بالدماء إلا وجعلوه في جسد ثورتنا عسى أن تركع لهم، عبثاً يحاولون لا فناء لثورتنا التي أُثخنت بالجراح من كل حدب وصوب، من كل عدو وصديق، لكنها تنمو بِنَا وتزداد رسوخاً في نفوسنا، كنبتة أصلها ثابت وفرعها في السماء وما عذاباتنا وشقاء أيامنا وفداحة مصابنا إلا سُقيا لثورتنا التي تناطح السحاب، صبراً غوطتي، فالمصائب والنوائب مصانع لصياغة المجد وجيل التمكين لن يخرج إلا من رحم الفواجع.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.