شعار قسم مدونات

المهاجر نحو القمة

Former French international football player Zinedine Zidane is pictured ahead of the friendly football match France vs Brazil, on March 26, 2015 at the Stade de France in Saint-Denis, north of Paris. AFP PHOTO / FRANCK FIFE (Photo credit should read FRANCK FIFE/AFP/Getty Images)
أن تبدأ دوماً السباق متأخراً بخطوة عن منافسيك هو أمر قد يحبطك في المرة الأولى، لكن مع مرور الوقت ستعتاد بذل ضعف المجهود اللازم لكي تفوز بالسباق، ستخسر مرات عديدة وقد تقترب من الانتصار دون أن تدركه، لكن بمجرد فوزك بالسباق للمرة الأولى لن يستطيع أحد أن يهزمك مجدداً، فالفائز يملك بقعة الضوء بينما يقبع الخاسرون في الظلام، يُمْلِي شروطه على الجميع ولا يتخلف خطوة مجدداً عن منافسيه، حتى ولو كان مهاجراً يملك نسباً اعتاد أن يستوطن صحراء الجزائر.
"قالها لي أبي عندما لمحني ألعب كرة القدم في شوارع مارسيليا: المهاجر يجب أن يبذل ضعف المجهود الذي يبذله المواطنون، المهاجر لا يملك رفاهية اليأس".. زيدان.

لعب زين الدين زيدان كرة القدم بعقل المهاجر الذي اعتاد أن يبذل مجهوداً مضاعفاً لينجز الأمر، لا أحد يريد أن تكون مهمته مراقبة زيدان، زيدان دوماً قريب من الكرة، هل تعتقد أنه سيمر من يسارك؟ حسناً ها هي الكرة بجوار قدمك اليسرى، لقد وقعت في الفخ ومددت قدمك لتلمس الكرة، لكن الكرة الآن تمر من بين أرجلك، يعتقد زميلك الذي ينتظره من خلفك أنها الآن أقرب إليه، ولكن لا، الكرة دائماً أقرب إلى زيدان حتى ولو لمست أطراف أقدام المدافعين، سيدور بجسمه كله حول الكرة في حركة مسجلة باسمه وحده، تجعل المدافع بعدها لا يرى شيئاً من العالم سوى كلمة زيدان على ظهر المهاجر.

تنقل صاحب الأصول الجزائرية بين أندية فرنسية صغيرة في طفولته ثم ناديي كان وبوردو حتى حصل على جائزة لاعب العام عام ١٩٩٦، ليُبْدِي نادي نيوكاسل الإنجليزي الاهتمام بضمه إلا أن القدر دائماً ما يلعب لعبته، النادي الإنجليزي قرر أنه لا يصلح للعب في دوري الدرجة الأولى الممتاز في إنجلترا، فقام نادي يوفنتوس الإيطالي باقتناصه في محاولة لتكرار مجد بلاتيني، أحرز زيدان مع السيدة العجوز لقبي دوري متتاليين ولكنه أمر معتاد في إيطاليا، أمر لن يمكنه من خطف بقعة الضوء من الجميع، عامين متتالين يصل زيدان لنهائي دوري أبطال أوروبا دون أن يفوز بذلك اللقب.

في التاسع من يوليو عام ٢٠٠٦ كانت المبارة النهائية لكأس العالم، فرنسا ستواجه إيطاليا في محاولة لتكرار انتصار يورو ٢٠٠٠، المباراة الأخيرة لزيدان وبعدها سينهي مسيرته
في التاسع من يوليو عام ٢٠٠٦ كانت المبارة النهائية لكأس العالم، فرنسا ستواجه إيطاليا في محاولة لتكرار انتصار يورو ٢٠٠٠، المباراة الأخيرة لزيدان وبعدها سينهي مسيرته
 

ولكن المهاجر ما زال ينتظر السباق الذي سيمكنه بعدها من تغيير القواعد، لا يوجد فرصة لذلك أفضل من كأس العالم عام ١٩٩٨، استطاع زيدان برأسه الذهبية الصلعاء أن يخطف كأس العالم من بين يدي رونالدو البرازيلي ويفوز بالسباق ليغير كل القواعد، أصبح زيدان اللاعب الأفضل على الإطلاق في العالم، توالت عليه الإشادات من كل حدبٍ وصوب، قاد بعدها منتخب بلاده فرنسا لاقتناص بطولة أمم أوروبا عام ٢٠٠٠ من أمام أعين الطليان.

في الرابع من يوليو عام ٢٠٠١ استيقظ الجميع في مدريد على خبر رائع، ‫توصل ناديا يوفنتوس الإيطالي وريال مدريد الإسباني إلى اتفاق بشأن انتقال لاعب خط وسط يوفنتوس وصانع ألعاب المنتخب الفرنسي لكرة القدم زين الدين زيدان إلى النادي الملكي مقابل مبلغ قياسي في ذلك الوقت قيمته ٦٥ ‬مليون دولار، حيث حقق زيدان في الموسم الأول مع ريال مدريد بطولة دوري أبطال أوروبا التي خسرها مرتين من قبل، على حساب نادي بايرن ليفركوزن الألماني بلدغة لا تخرج سوى منه في ملعب هامبدن بارك باسكتلندا، وفي الموسم الثاني حقق بطولة الدوري الإسباني، حتى جاء السابع من مايو عام ٢٠٠٦ حيث لعب زيدان فيه آخر مباراة له مع ريال مدريد، بعد أن حقق كل شيء ممكن أنه يحققه أي لاعب، ولم يتبق له سوى أن ينهي مسيرته بطريقة لا تليق سوى بالأساطير.

في التاسع من يوليو عام ٢٠٠٦ كانت المبارة النهائية لكأس العالم، فرنسا ستواجه إيطاليا في محاولة لتكرار انتصار يورو ٢٠٠٠، المباراة الأخيرة لزيدان وبعدها سينهي مسيرته متمنياً الفوز بلقب كأس العالم، أعْدَ زيدان للأمر جيداً، قميص أبيض كتب عليه "شكراً يوفنتوس، شكراً ريال مدريد، شكراً فرنسا" ولبسه تحت قميص المنتخب الفرنسي، قرر أن ينهي علاقته بالكرة فائزاً بسباقه الأخير، لكن الأمر يصبح أصعب أمام الإيطاليين، فهو يعرفهم جيداً، يستميتون على الكرة أكثر من طفلٍ صغير، ركلة جزاء لصالح فرنسا، زيدان من على علامة الجزاء يسددها، كانت على طريقة بانينكا من أجل تفادي الفشل، خوفاً من أن تصطدم بذراع من أصل ثمانية يملكهم أخطبوط في المرمى اسمه جيانلويجي بوفون.

ترى زين الدين زيدان الآن على مرمى البصر خلف خط التماس يقف ببدلته السوداء يكتب اسمه من جديد على العشب الأخضر باللون الذهبى
ترى زين الدين زيدان الآن على مرمى البصر خلف خط التماس يقف ببدلته السوداء يكتب اسمه من جديد على العشب الأخضر باللون الذهبى
 

دوماً ما كان زيدان يفكر في المستقبل قبل الجميع، ولكن ماركو ماتيرازي مصمم أن يعيده إلى حاضره، يشد القميص في استفزاز إيطالي معتاد، أخبره زيدان أنه إذا كان يريد القميص يستطيع الحصول عليه بعد المباراة، إلا أنه رد الرد الذي لا يفضله تماماً، أخبره ماتيرازي أنه سيحصل عليه من أخته العاهرة، ليقتل مع ذلك ماتيراتزي نهاية زيدان، فلم يستطع زيدان أن يرى أي شيء حوله سوى ماركو يتغير وجهه إلى الكثير من الوجوه، ككل الذين تعاملوا معه بعنصرية كمهاجر، لم يشعر بنفسه إلا بعد أن أطاح بماتيرازي بذات الرأس التي أحرز بها كأس العالم من قبل، نفس الرأس التي أرسلت زيدان لمعانقة المجد ترسل به هذه المرة إلى خارج السباق الأخير.

زيدان يشبه النبيذ الذي كلما زاد عمره كلما كان أفضل، لم يكتف بالسحر الذي قدمه والمجد الذي حققه كلاعب، فعاد ليرينا سحراً جديداً، عاد ليبحث عن اللعنات لكسرها ويقف ليقص على التاريخ تاريخا ويُجبره أن يجد في صفحاته مكان لفصلٍ جديد، ويُعلمه أن القصة لم تنته بعد، ولن تنتهي أبداً، فتراه الآن على مرمى البصر خلف خط التماس يقف ببدلته السوداء يكتب اسمه من جديد على العشب الأخضر باللون الذهبي، زيدان المهاجر يدخل سباقا جديدا بضعف الجهد المبذول كالعادة، ليعيد حديث العالم عنه مجدداً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.