وكانت أكثر الحركات والجماعات بروزا وصعوداً هي الحركات الكبيرة القادمة من المشرق لما تحمله من فكر وأدبيات وهيكل تنظيمي قادر على التعبئة والتخطيط. اعتزاز هذه الحركات بتاريخها ورموزها وأدبياتها القادمة من البلد الأم جعلها عصّية على الانفتاح على الأفكار الأوروبية وتجارب الجاليات والأقليات الأخرى التي حطت رحالها في أوروبا منذ زمن قصير أو طويل.
فكانت أدبيات الحركات الإسلامية في المشرق التي تتحدث أن الإسلام نظام شامل وأنه دين ودولة وسلوك ومعاملات وفن وسياسة وإعلام وأحوال شخصية وكل ما يتعلق بشؤون المجتمع والحياة، والذي قد يكون صالحاً للمجتمعات الإسلاميةـ تتبناه أكبر الحركات في أوروبا نسخاً ولصقاً بدون النظر بعمق إلى مآلات إنزال أفكار تأسست ونشأت في مجتمعات مختلفة كلياً عن المجتمعات الأوروبية في مختلف المجالات والأنظمة.
إن عدم البحث بجدية عن بنية فكرية منسجمة مع طبيعة هذه المجتمعات وشعوبها وأنظمتها الاجتماعية والسياسية أدى إلى هشاشة البناء الفكري لهذه الحركة وقدرتها على مواجهة التحديات في هذه القارة التي كانت مهداً لعصر الأنوار والنهضة الحديثة.
فكان مشروع التوطين على سبيل المثال والذي كان هدفه تحقيق الرؤية الاستراتيجية التي تنص على ترسيخ الوجود الإسلامي يفتقد إلى التأصيل السليم من النواحي الفكرية والثقافية والتربوية، مما أدى إلى إعداد وتربية نخبة وكتلة حرجة من الشباب قائمة على أسس لا تتوافق مع طبيعة المنظومة الأوروبية.
إن المنهجية التي اتبعتها الحركة الإسلامية في أوروبا والتي هي ذات المنهجية المتبعة في العديد من الحركات الإسلامية في المشرق القائمة عل السمع والطاعة وتهميش دور المفكر أو الذي يفكر، أدت إلى طغيان كفة الإداري الذي كان جلّ همه هو إنشاء جيش من الأفراد والمؤسسات التابعة التي تأتمر بأمره، وقد أدى هذا النفوذ الكبير على مدى العقود الماضية إلى تشكل حركة ذات جسم مؤسساتي كبير ولكنها شبه خاوية من أي اجتهاد فكري أو ثقافي، وهذا ما يمكن ملاحظته من افتقار المكتبة الأوروبية إلى كتب ودراسات تحليلية ونقدية وفكرية حول الواقع الأوربي والأقلية المسلمة يقوم عليها مفكرون ومثقفون وعلماء اجتماع وسياسة مسلمون.
إن حاجة الأقلية المسلمة في أوروبا إلى مؤسسات ومنظمات تنشأ وتتأسس أفكارها منطلقة من الواقع الأوروبي وتستمع فيها لنصائح أهل الفكر والثقافة من مختلف مكونات المجتمع من مسلمين وغير مسلمين، لأمر ضروري من أجل الحفاظ على وجود الأقلية المسلمة في عصر جديد لا يرحم القديم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.