شعار قسم مدونات

ولا تزال الدماء تنزف

Blogs-الواحات
إن هذه البلاد قد حباها الله بخيرات عبر السنين لكن حكمها كان أكبر مطمع بسبب ذلك، فلم يأتيها حاكم إلا واستنزف خيراتها وجرف في عقول أبنائها حتى لا يكون لها أي ذكر في عداد الدول المتقدمة. إنها أم الدنيا حقيقة لا أسطورة في الخيال وليست كلمة تردد عبر الشفاه وليس لها أثر في القلوب ومن عاش فيها يعلم ذلك جيدا.
          
نزيف الدماء في المحروسة لم يجف منذ ما يربو على الثمانين عاما منذ سقطت الخلافة الإسلامية وتفككت الأمة واستقل كل بلد ووضعت الحدود بينها، وتطلع العسكر للحكم بخيانة كانت أو غيرها لكن النتيجة كانت المعدلات المرتفعة في الفقر والجهل والمرض والأمية والبطالة وانخفاض مستوى معيشة الفرد إلى أقل درجة في العالم، واستمر الحكام يخدعون الشعب بداية من عبد الناصر وختاما بالسيسي يخدعونهم بدافع الحرب على الفنكوش، عفوا الحرب على الإرهاب والناس تصدق والظلم يزداد والقتل ينتشر وما عاد أحد يحاسب حاكما ولا أن يرد بكلمة إلا وفعلت به الأفاعيل.
       
إن مقدار الظلم الذي مرت به مصر على مر العصور -من وجهة نظري- لو جمع لكان أقل مما رأته مصر منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو عام 2013م، وإن الدماء التي لا زالت تنزف من الجميع ليس لها إلا أن تبحث في جذور المشكلة فقضية الإرهاب التي طلب السيسي تفويضا لمحاربة الإرهاب المحتمل وإسقاط دولة لم يكن بها أي حادثة مثل ذلك وما فعلوه من قتل الجنود كان رد الرئيس محمد مرسي وقتها هو أن نحافظ على الدماء وهي سياسة لا يعرفها من يأخذ الأوامر طيلة حياته ولا يفكر فمنذ متى كان للعسكر أن يتدخلوا في سياسة الدولة وشؤونها، مع الحفاظ على حقهم ودورهم الحقيقي في الدفاع عن الدولة ضد أي عدوان خارجي، ومنذ متى رأينا دولة اعتلاها العسكر إلا وكانت في ذيل الأمم، ولك أن تتخيل كيف كانت تركيا واقتصادها ومستواها فيما بين الدول عندما حكمها العسكر حتى جردها من كل مكانة وجعلها دولة متخلفة، ثم انظر إليه الآن عندما حكمها الرئيس المدني الذي عمل على بناء الدولة منذ اليوم الأول لشغله منصب القيادة حتى غدت من أقوى الاقتصادات في العالم إضافة إلى قوتها العسكرية الضخمة.
           

والحقيقة أنه إذا أردت أن تسيطر على شخص ويكون لك أسيرا فافعل معه أحد أمرين فإما أن تجعله خائفا أو اجعله يطمع، فإن الإنسان إذا خاف سلَّم بكل شيء مخافة الفقرِ أو القتلِ أو ال…، والإنسان إذا طمع كان كالعطشان الذي رأى السراب فظل يبحث عن الماء ولا يجده، وهي سياسة القائد الفاشل ولقد قال ربنا سبحانه أن نعمة الطعام والأمن من أهم مقومات الحياة فقال في سورة قريش "الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" وهما النعمتان اللتان تحارب بهما الدولة منذ قرون لتحقيقهما ولم تتحققا مطلقا إلا في أوهامهم وأحلامهم.

            
من يموتون بالتصفيات الجسدية ومن يموتون داخل السجون ومن يقتلون من الجنود والضباط هم أبناء هذه الأرض ومن حقهم أن ينعموا بالحياة الطيبة مهما اختلفت توجهاتهم
من يموتون بالتصفيات الجسدية ومن يموتون داخل السجون ومن يقتلون من الجنود والضباط هم أبناء هذه الأرض ومن حقهم أن ينعموا بالحياة الطيبة مهما اختلفت توجهاتهم
 

إن ما حدث في مصر منذ الانقلاب العسكري وإزاحة الرئيس محمد مرسي، الرئيس المدني الذي اختاره الشعب ورضا البعض من الكارهين للحرية ودائما وأبدا تجدهم في صارة الأمر يتشدقون بها فلما رزقهم الله بها فروا وانقلبوا مع المنقلبين. سئل عمر بن عبد العزيز مرة عن أحمق الناس فقال "أحمق الناس هو من يبيع دينة بدنيا غيره" فيخسر لأجل أن يكسب غيره وهو يعلم أنه يفعل ذلك، فكل من يطبلون ويرقصون للمجازر التي يرتكبها النظام ولن أرمي التهمة على أحد بعينه غير السيسي ونظامه الفاشل لأنه المسؤول الأول عن حماية هذه الدولة إن كان لديه ذرة من وطنية، فمن قتلوا في النهضة ورابعة ومن يموتون بالتصفيات الجسدية ومن يموتون داخل السجون ومن يقتلون من الجنود والضباط هم أبناء هذه الأرض ومن حقهم أن ينعموا بالحياة الطيبة مهما اختلفت توجهاتهم، لكن لن نفرح بالدماء التي تسال وتراق في كل صبيحة يوم، لأننا نعلم أن القاتل واحد ويتحمل كل هذه الدماء فتفرق الناس في الطرقات لم يصل أحد لهدف ولن يصل ونحن بهذه الفرقة التي لا ينتهجها سوى اليهود سياسة منذ القدم سياسة فرق تسد.

           
لم تنقسم الدولة في عهد مرسي ولم يتنازل عن شبر من أراضيها، لكن من خلص مصر من حكم المدنيين فرق مصر على الأحباب في ساعة أُنسٍ والشعب مشغولٌ بلعبة وبحث عن قوت وخوف على العمر، من أكبر الدلائل على ضلوع الفشل في كل ركن من أركان النظام وعدم قدرته على إدارة الدولة تلك المجزرة الأخيرة في منطقة الواحات والتي كانت الخسائر البشرية من جانب القوات كبيرة وفادحة ليس كسابقتها. فإلى متى سيظل العالم منتظرا أمام تلك السياسة الفاشلة دون رد على هذا القاتل بعد أن كاد ينهي خصومه انتقل للخلاص من محبيه ولم يألُ جهدا في أن يقضي على كل من يعارضه حتى لو كان شريكا له في الانقلاب.
        
لا أجد إلا أن الله عادل فكم رأينا ما يفعله ضباط الأمن في المعتقلين وأهليهم ومنذ وقوع حادثة الواحات وأرى من يكتبون عن ضباط عذبوهم في غرفات الأمن الوطني ضمن هؤلاء القتلى، فتلك رسالة لكل ضابط أو جندي من أعان ظالما سلطه الله عليه. لا أجد بداخلي أي ذرة من تعاطف مع من يقتلون أبناء هذا الشعب بدون حق وأعلم أن بين القتلى أشخاص لم يقتلوا من قبل أو يعذبوا ولكن كما أخبرنا النبي "يبعثون على نياتهم".
           
ختاما إذا أردنا أن يعم السلام ويختفي القتل والإرهاب فلنبحث عن جذور المشكلة لا أعراضها وعن السبب لا النتيجة عندها سنتحد، ولن تجد ببلاد مصر جائعا ولا قاتلا يبحث عن طعام لأهله، فلكل إنسان الحق في الحياة ومن اعتدى على ذلك يجد نفسه داخلا ضمن دائرة الدماء ولن يقف الحال عند واقعة معينة فكلما زاد الظلم زاد نزيف الدماء ولا زالت هناك دماء تنزف لم تضمد أو تجف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.