شعار قسم مدونات

قراءة موضوعية في تاريخ نظام الحكم الإسلامي

blog- لوحة للمسلمين تاريخ
لا شك أن جدلية نظام الحكم وآلية اختيار الحاكم والأنموذج الأمثل للنظام السياسي من القضايا التي يجدر الخوض فيها نظراً لما تعانيه أمتنا الإسلامية من واقع مأساوي لا تزال ترزح تحته، منذ ما يربو عن مائة عام.

طورت الدول الغربية إبان الثورة الفرنسية وظهور مفاهيم الدولة الجديدة منظوماتها السياسية وآلية اختيار السياسيين، وباتت الديمقراطية المتمثلة بالانتخابات هي المعيار الذي يتم على أساسه اختيار الحاكم ولقد أدركت الدول الأوروبية، إبان الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر أن دور الملكيات وتوريث الحكم قد أفل نجمه ولا بد من انتهاج نظام سياسي مرن يتجاوب مع منطق الحداثة والنهضة على كل الأصعدة العلمية منها والسياسية والاجتماعية، وحفاظاً من بعض الدول على تراثها ارتأت أن تبقي على منصب الملك كمنصب فخري بينما جعلت السلطات التنفيذية بيد رئيس حكومة ينتخب بطريقة ديمقراطية، ولأننا مذ تشكل وعينا لا نزال نعقد المقارنات بيننا وبينهم، بين شرقنا وغربهم، بين تخلفنا وتقدمهم لا بد لنا أن نعيد النظر في واقعنا ونحاول أن نوجد الحلول التي تناسب قيمنا وتراثنا وثقافتنا.

عند وفاة عمر رضي الله عنه تطور النظام السياسي الإسلامي الناشئ، حيث إنه رشح ستة أشخاص لخلافته بدلاً من واحد بعد مداولات ونقاشات مع أهل الشورى

في نظرة سريعة إلى تاريخ منطقتنا وأمتنا الإسلامية سنجد أن الآلية السياسية لاختيار الحاكم بدأت بقليل من التطور السياسي الواضح بعد وفاة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فعند وفاته لم يوص بالخلافة بعده لأحد بشكل صريح، إنما ألمح إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعبارة "مروا أبا بكر فليصل بالناس"، وإمامة الناس في الصلاة هي إشارة واضحة على ترشيح أبي بكر ليتولى الخلافة، وهو بالفعل ما تم بعد اجتماع سقيفة بني ساعدة وبعد مناظرة حادة بين حزبين هما المهاجرين والأنصار تم بعدها اختيار أبي بكر على أنه الشخص الأصلح والأنسب لهذا المنصب وكان بالفعل كذلك.

ثم إننا نلاحظ عند وفاة أبي بكر أنه رشح شخصاً باسمه لخلافته (وهو تطور ملحوظ) بعد نقاش واستطلاع رأي من أهل الشورى، فكان الإجماع على أن أنسب شخص للخلافة هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو ما كان، ونلاحظ أن هذا النظام السياسي الفتي كان بخلاف جميع الأنظمة السياسية السائدة حينها عند الفرس والروم، إذ إنها كانت أنظمة وراثية، بينما كان النظام الإسلامي بخلافهم حيث اعتمد على انتخاب الأصلح، فلم يورث أبو بكر ابنه الخلافة، إنما اختار لها عمر بن الخطاب.

قبل مائة عام تآمر الغرب على الدولة العثمانية التي حاولت أن تلحق بالركب لكن لم تنفع كل الإصلاحات السياسية التي قامت بها، ونجح الغرب في إسقاط الخلافة
قبل مائة عام تآمر الغرب على الدولة العثمانية التي حاولت أن تلحق بالركب لكن لم تنفع كل الإصلاحات السياسية التي قامت بها، ونجح الغرب في إسقاط الخلافة

وعند وفاة عمر رضي الله عنه سنلاحظ تطوراً ملموساً في النظام السياسي الإسلامي الناشئ، حيث إنه رشح ستة أشخاص لخلافته بدلاً من واحد بعد مداولات ونقاشات مع أهل الشورى من الصحابة ونلاحظ هنا أن عمر رضي الله عنه رفض بشدة إدراج اسم ابنه عبد الله ضمن المرشحين على الرغم من الصفات الحميدة التي تخوله لذلك، وهذه ملاحظة يجب التوقف عندها ملياً فنحن نلاحظ أن فكرة التوريث كانت مرفوضة في النظام الإسلامي الناشئ، وسنلاحظ أن ثلاثة من المرشحين سيتنازلون لثلاثة ثم يتنازل واحد ويبقى مرشحان هما عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، لنجد أن عثمان بن عفان يفوز بها بعد مداولة ومناظرة كان الحكم فيها عبد الرحمن بن عوف.

وبعد وفاة عثمان يتسلم علي بن أبي طالب الحكم بناء على ترشيح سابق من عمر بن الخطاب، وبعد الأحداث والفتن التي حدثت في عهده سنجد أن النظام السياسي الإسلامي لم يكتب له الحياة، حيث تم اغتيال علي رضي الله عنه ولم يوص بالخلافة لأحد بعده، ليتسلم بعده معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ويجعل الخلافة وراثة.

لم يستطع المسلمون منذ ذلك العصر أن ينتجوا نظاماً سياسياً مناسباً لاختيار الحاكم، بل تركت الأمور بدون ضابط حتى صار الحكم لمن غلب وقهر، فبعد بني أمية سيغلب بنو العباس ويقهروا ومن ثم يأتي المماليك وبعدهم الأيوبيون، ومن ثم العثمانيون دون تحقيق أي تطور يذكر في النظام السياسي الإسلامي.
ولكن على كل ما سببه توريث الحكم من ويلات على الأمة الإسلامية بقي مفهوم الخلافة الإسلامية واسطة العقد التي تجمع شعوب الأمة الإسلامية على مر القرون، وهو أمر تنبه له الغرب الذي بنى أنظمته السياسية وفق المفاهيم التي ابتكرها لنفسه، بينما فشلنا نحن أن نبتكر أي شيء يضاهيهم.

علينا أن ننتزع مفهوم "الملك عقيم" من وعينا السياسي والاجتماعي فهذه الأمة تستحق أن تطور نفسها وأن تلحق بركب الأمم الصاعدة

قبل مائة عام تآمر الغرب على الدولة العثمانية التي حاولت أن تلحق بالركب لكن لم تنفع كل الإصلاحات السياسية الترقيعية التي قامت بها، وتحقق للغرب ما سعى إليه وهو إسقاط الخلافة كمفهوم جامع للأمة الإسلامية، ولتقع منطقتنا العربية والإسلامية ضحية أطماع تلك الدول التي كرست انقسامنا إلى دويلات وأنظمة حاكمة استبدادية تمارس دور الشرطي القامع للشعوب الممنوع عليها أن تفكر أكثر مما يجب.

إذن لقد نجح الغرب وفشلنا، فشنا في إنتاج نظام سياسي خاص بنا بعيدا عن أن نقلدهم ونتفيأ بظلهم، بينما نجحوا هم في إنتاج نظام سياسي يتماشى مع حياتهم وحداثتهم، ولا نجد من أمتنا إلا انقساماً بين فريقين فريق يقول لك "الديمقراطية شرك" "الديمقراطية دين الغرب" وفريق آخر ينكر على الفريق الأول متهماً إياه بالتخلف والرجعية، دون أن يخطر على بال أحد أننا كأمة إسلامية بحاجة اليوم أن يقوم مفكرونا الإسلاميون بطرح أفكار خلاقة تفيد بتشكيل آلية سياسية إسلامية حداثية بما يتناسب مع ديننا وقيمنا وتراثنا.

يجب علينا أن ننتزع مفهوم "الملك عقيم" من وعينا السياسي والاجتماعي فهذه الأمة تستحق أن تطور نفسها وأن تلحق بركب الأمم الصاعدة، وأن نبتكر بجدية نظام حكم إسلامي يسمح بالتداول السلمي للسلطة ويعتمد مبدأ اختيار المناسب والأكفأ، ولا يقع بثغرات الديمقراطية الغربية، ولا يكتوي بنيران الاستبداد الشرقي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.