شعار قسم مدونات

المفسبك التّقيّ

blogs - facebook

في عالمِ الإحباطِ والعجز عن إحداث تغيير جذريٍّ في مجريات السياسة العالميّة التي يسيطر عليها الكبار، كان الإعلام له دوره في نقل الخبر لكن بقتامته المظلمة أو برماديّته العاجزة، فكان لابد من ظهور الإعلامِ الجديد الذي هو أوسع أفقاً وأكثر جاذبيةً للشباب العصريّ الملول، فحاد به -الشباب- عن الشّكليّة الإخباريّة إلى الترفيهيّة، وقولبته بقالب الاجتماعيّة التواصليّة.

بدأ ذلك التّغييرُ بظهورِ الفيس بوك قبل أن يتبعه بالظهور آخرون، غير أنه كان الأكثرَ جذباً والأبدع تطوراً، ما مكنه من حشد الملايين، فجعله عالماً موازياً يفرُّ إليه الناس؛ علَّهم يجدون عالماً أوفر حريةً، وأكثرَ عدلاً، وأخفَّ قتامةً وظلاماً، فطفق الشبابُ يقبلون عليه أفواجاً.

اجعل من هذا العالم الموازي أوسعَ من عالمك الحقيقيّ؛ بأن لا تحصره بينك وبين من تعرفهم، فإنه يَسهُل أن تطبق فيه شعار "اختر قرينك"

يظلُّ الإشكالُ في كون هكذا مواقع أنّها يسهُلُ أن يساء استخدامها، فكان ذلك داعياً إلى جمع بعض النصائح الفيسبوكية التي يحتاجها من يرتاد هذا العالم، علّها تكون ذات أثر في جعل الفيسبوك تقياً، فتظهر حسناتُه على سيئاتِه.

أولاً: اعلم وأنت "تفسبك" أنّك تسبحُ وسط زبدٍ من الأخبارِ الكاذبة، والمعلومات المغلوطة، والإشاعات الموجّهة، فاجعل شعاركَ: "إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا"، فإنّك إن فعلتَ تبيّن لك الغثّ من السَّمين، وعرفت الصحيحَ من السقيم.

ثانياً: كلُّ منشورٍ على الفيس بوك محصورٌ في ثلاثة: فإمّا هادفٌ مفيد، وإمّا عبثٌ ضار، وإمّا خلافهما؛ أي لا مفيدٌ ولا ضار. أمّا الأول فكتابتُه ونشرُه صدقةٌ جاريةٌ على القراء فأهله أعزّةٌ قليلون، وأما الثاني فوراءه جنودٌ مجندونَ وجاهلونَ وخطّاؤون. وأمّا الثالثُ فمباحٌ لكنّ أصحابه كثيرون. فلا تنشر إلا ما كان هادفاً مفيداً، وفرَّ من الثاني فرارك من الأسد، ودع الثالث فليس يعدمُ أهلَه.

ثالثاً: لا تعطِ شارةَ "الإعجاب" لمنشورٍ لا يتسحقُّها، وإلّا تكون قد ساهمت في الهبوط بمستوى المقبول، وساهمت في انتشار ما يشغل الوقتَ دون أن يعود بفائدة، فضلاً عن احتمال كونِك قد سببت ضرراً أو عمَّمت فساداً. وفي ذات الآن فشارة "الإعجاب" هديةٌ غير مكلفة، فاهدها من تريد مجاملتَه إذا كان ما يَنشر غير مخلٍّ بالذوقِ والأخلاق. 

لا تصدق بأنَّ الفيس بوك عالمٌ افترضيٌّ بحت، فكل تصرفٍ تتصرفه في هذا العالم ينعكس على واقعك، فكن صاحبَ ذات الرسالةِ والمبادئ والهدف

رابعاً: اجعل من هذا العالم الموازي أوسعَ من عالمك الحقيقيّ؛ بأن لا تحصره بينك وبين من تعرفهم، فإنه يَسهُل أن تطبق فيه شعار "اختر قرينك"، وليس ذلك بالسهل في عالمك الأول، فلا تتردّد في إضافة من تؤنسك مخالطتُه، كما لا تتردّد في حظر من لا تطيب لك معاشرتُه.

خامساً: لا تظنَّنَّ أنّ هذا العالم الافتراضيّ مليءٌ بالطلقاءِ دون رادعٍ لأصحاب الشّغب والمزعجين، فاجعلِ الإبلاغ سلاحَك ضدّ من تظنُّهم عالةً على هذا العالم الجديد، فلربما ترى شرطة الفيس بك ضرورةَ تغريبهم، فتريحَ منهم نفسَك وغيرك.

وأخيراً: لا تصدق بأنَّ الفيس بوك عالمٌ افترضيٌّ بحت، فكل تصرفٍ تتصرفه في هذا العالم ينعكس على واقعك، فكن صاحبَ ذات الرسالةِ والمبادئ والهدف، برغم تعددِ العوالم وتغيُّر الوسائل.

جعلني الله وإياك من المفسبكين الأتقياء، وملأ عوالمنا تقوىً وهناءً!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.