شعار قسم مدونات

شمعات من سأسأل؟

Blogs- candles
لأولئك اللذين طالما حاولوا ويحاولون سحقَ براعم أمَلِنا من هذا الكون، وإعدام بذرات تفاؤلنا قبل أن تُنبت بماء تشاؤمهم الآسن أقول: دعونا وشأننا وتفاؤلنا، فإن لم يكن لتفاؤلنا فائدةٌ كما تزعمون، فتشاؤمكم لن يحل مشكلة من مشاكلنا ولن يجعل من هذا العالم مكانًا أفضل!
         
لن أكتبَ بمثالية مُفرطة، ولن أتحدّث عن خُزعبلاتٍ بعيدةٍ عن واقعنا. سأخُطّ أساساتٍ من تفاؤلَ بقدرٍ أظنّه بالغ الأهمية لنتمكن من إكمال الحياة. بالنّظر إلى حياتنا وأنفسنا، نرى أننا دائمو التفكير بالقادم المجهول وكيف سيكون؟ وماذا سيحمل؟ وكيف سنتخطّى صعابه؟ نرى أننا لا نعيش هنا والآن، بل هناك وفي المستقبل. نبني ناطحاتِ سحابٍ وهميّة من خوف ونحصّنُها بأسوار متينة من وسوسات، ثمّ نجدُنا نبحثُ في أعماق نفوسنا عن بذراتٍ عفِنَة من أوهام ومخاوف نعتني بها أيّما اعتناء حتى نؤمن عميقاً بسرابٍ يتعاظم.
          
أذكرُ أنني في صغري مثلاً كنتُ وعند انقطاع الكهرباء أرى في أمّي بطلاً خارقًا. كيف لا تخشى الظلام؟ وماذا سأفعلُ إذا ما أصبحتُ يوماً مكانها؟ إلى من سألجئ؟ وشمعات من سأسأل؟ ما لم يتغيّر الآن هو أنني ما زلت أؤمن بعظَمة أمّي وبطولتها، لكن أجدُني الآن أرى في الليل راحةَ المتعبين وسكونَ المضطربين وبهجةَ المكروبين. أرى الظلمةَ أجمل الأوقاتِ لسؤال اللّه.
       
عندَ شروق الشمس يجب أن تجري، أن تتحرك، أن تبدأ، حتى لا يقتل التردد شغفك وحتى لا تموت ومنتظراً أن تبدأ
عندَ شروق الشمس يجب أن تجري، أن تتحرك، أن تبدأ، حتى لا يقتل التردد شغفك وحتى لا تموت ومنتظراً أن تبدأ
 

وهكذا نحن غالباً، ترانا دائماً ما نكون بين شدٍ وجذب، نعيش قليلاً في المستقبل، ونموت قليلاً في الماضي. دائما ما نعطي ما نحن مُقبلين عليه أكبر من حجمه فنخشى الإقدام أو نبني حاجز أوهام إن لم تُثبّطنا فلا بُدّ أنها تُضعفُنا. لذا يٌقال إن أصعب الخطوات أوّلها، ثُمّ ما يلبث الخوف والضعف أن يتلاشى ويذهب شيئاً فشيئاً. تُعبّرُ عن هذه الفكرة جيّداً حكايةٌ رمزية إفريقية ذكرها جون سي ماكسويل في كتابه الفشل البنّاء، حيث يقول "في كل صباح في إفريقيا يستيقظ غزال، يعرف أنه يجبُ أن يجري أسرعَ من أسرعِ أسدٍ وإلا سيُقتل. وفي كل صباح يستيقظُ أسدٌ يعرفُ أنه يجب أن يسبق أبطأ غزال وإلا سيموت!".

   
وسواءٌ أكُنتَ أسداً أم غزالاً، فعند شروق الشمس يجبُ أن تجري، أن تتحرك، أن تبدأ، حتى لا يقتلَ التّردّدُ شَغَفَك وحتى لا تموت ومنتظراً أن تبدأ. يقول أحدهم "وما رُزِقَ امرؤٌ عَظَمة حمل فكرة إلا رُزِقَ معها قوّة يهبها الله له إن وجَدَ فيه أهلاً لها".
فلْنَدَع إن شئتم القال والقائلين ولننظُر إلى كلام الجليل "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" لكن فلْننظُر إليها من زاوية مختلفة، لمَ دائماً نُقلّصُ قُدُراتنا ونضعها في قوالب تسلبُنا الإيمان بأنفسنا ثمّ نقول "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"! تعالوا نقلبُ طريقة الاستشهاد بهذه الآية ونفكّر دائماً أننا ما وضعنا ولن نوضع في مكان إلا لأننا رُزِقنا القوّة الملائمة له، وإن لم نكن نملكها حقّاً فقد خُلقنا نُضاعف قوانا حسب ظروفنا، لا العكس. أختمُ بقول آخر "وإنّك غداً أقدَرُ على همّك مما أنت الآن، وهمُّكَ في غدٍ أهون مما تراه الآن".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.