يتأسس الفكر الإلحادي في مجمله على مجموعة من النظريات المادية للحياة، فالملحد في تحليله لنشأة الكون يرى أن كل شيء قبل ملايير السنين لم يكن موجودا، وفي لحظة لا يمكن للعقل البشري إدراكها (10 أس ناقص 46 ثانية) ظهر أول عنصر مكون للمادة، وبعد تطورات عديدة للمادة الأولى وصلنا إلى خلية بسيطة ثم بعدها إلى خلايا أكثر تعقيدا ثم إلى الشكل الحالي للخلية البالغ في التعقيد، ونشأة الدين ورغبة الإنسان في الركون إلى إله يعبده ويحس بضعفه أمامه ليست أمرا فطريا في البشر، وإنما هو نتاج لظواهر مجتمعية تراكمت وشكلت لنا الدين في الأخير عبر عدة آلهة.
نظرية داروين أصل الإلحاد
إذا استطاع عقلك أن يبتلع نظرية داروين في صيغتيها القديمة والحديثة، سيصبح بعدها قادرا على ابتلاع كل شيء، تعتمد النظرية في مجملها على الملاحظة ومقارنة الكائنات بعضها ببعض، والملاحظة كما يقرر أصحاب المنهج التجريبي (والذي يتبناه الملاحدة) لا تكفي لخلق مبدأ علمي جديد.. فلا يمكن مثلا أن ننظر إلى الإنسان ونقرر أن له سلفا مشتركا مع القرد لمجرد أنه يشبهه من الناحية المورفولوجية أو لأن الجينات تتشابه بنسبة 98 %.

فماذا لو أخبرتك أن نسبة تشابه الإنسان مع الفأر هي 99 %؟ ثم لماذا لم نعثر على هياكل عظمية بين الإنسان الحديث والقرد رغم تطور علم الأحافير إلى درجات مذهلة، كان من المفترض أن نحصل ولو على عظمة جمجمة واحدة لكائن بين البشر والقرد حتى نقرر بطريقة علمية أن لهما سلفا مشتركا، للأسف صديقي الملحد، لن تجد شيئا مثل هذا، تبقى الهوة الأحفورية بين الكائنات الحديثة والكائنات التي يفترض أنها انشقت عنها كبيرة تصيب النظرية في مقتل.. وقد أسس كاتب فرنسي ملحد كتابا في الثمانينيات بعنوان "التطور نظرية في أزمة" وكتب سنة 2015 كتابا آخر.
التطور نظرية لا تزال في أزمة
يقول هيثم طلعت في بعض كتبه إن علماء الإلحاد قد أعلنوا ذات مرة أنهم وجدوا الدليل القاطع على السلف المشترك، حيث إنهم لاحظوا تشابها خارقا في أحد المواضع من الصبغيات في تطابق رهيب بين القواعد الآزوتية والتي ترمز لنفس البروتين عند القرد والإنسان، هل علميا هذا دليل كاف؟ سأخبرك أن هناك تشابهات أخرى بين الإنسان والغوريلا (والتي يقرر الملاحدة أنها انشقت قبل الشامبانزي عن الإنسان) بنفس الدقة ونفس الموضع، ولا توجد هذه الشيفرة عند الشامبانزي!
أي أن قضية التشابه في بعض المواضع لا تدل أبدا على السلف المشترك بل قد تأتي بنتائج عكسية، أضف إلى ذلك أن مثلا أن تحول السمكة إلى بقرة (كما تفترض النظرية) يحتاج إلى خمسة آلاف تغيير جيني، وبحساب كل الاحتمالات الممكنة رياضيا تكون مدة تحول السمكة إلى بقرة أكبر من عمر الكون بكثير! أي أننا إذا أردنا أن نسقط النظرية على الواقع نجد أنها تقرر ظهور نوع جديد بين السمكة والبقرة كل بضعة ساعات، وقس على ذلك جميع الكائنات الأخرى.

في إطلالة بسيطة على تاريخ قادة الحروب في العالم، ستجد أن هتلر وموسوليني وستالين كلهم كانوا ملاحدة، وتاريخهم حافل بالجرائم والاعتداءات على بعض الأجناس الضعيفة في الأرض، وأراد هتلر أن يطبق النظرية على أرض الواقع: قانون البقاء للأصلح. فقام بالإعلان عن كثير من البرامج التي ترمي إلى تعقيم وإخصاء حوالي 400 ألف شاب فقط لأنهم معاقين، وقام بقتل كثير من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد كان يعلن أن هذه الإجراءات ماهي إلا تطبيقات الطبيعة للنظرية.
الجنس الأسود أقل تطورا من الأبيض والمرأة أقل من الرجل وحتى تصنيفهما في السلم البيولوجي مختلف، المرأة في مرتبة أقل، هكذا تقرر النظرية، لذلك تجد كثيرا من الملحدين يتمردون وينحون منحى الإحسان إلى هذه الأجناس الأخرى (السود) في ركون عجيب إلى الفطرة الإنسانية التي تحب الخير، لكنهم لن يستطيعوا أبدا أن ينتقذو النظرية، لأنها إذا سقطت سيسقط معها كل شيء..
أختم بالقول إن الإلحاد يقتل الضمير ويجعل الإنسان لا يشعر بألم المعاصي، لكن ألم الإلحاد يبقى معه إلى أن يؤمن أو يموت. يزعم الملحد أنه قد ارتاح من الإله والدين، لكنك تجده مشغولا دائما بهما طوال الوقت، أشغله الله نفسه دون أن يشعر، هل لك في إطلالة سريعة على حسابات الملحدين؟ تجدهم يناقشون الدين أكثر من المتدينين أنفسهم، يغالبون الفطرة التي أودعها الله فيهم، فإن غلبتهم فازوا، وإن غلبوها خسروا الخسران المبين.