يبدو واضحاً دفع المجتمع الدولي نحو تغيير هيكلية الهيئة العليا للمفاوضات وتفخيخها بذريعة توسيعها لتضم أكبر قدرٍ ممكن من شرائح المعارضة! وتأتي هذه الخطوة بعد تفاجئ الدول الداعمة للصراع السوري والمؤيدة لإبقاء نظام الأسد بنجاح الحراك السياسي السوري بتشكيل الهيئة كذراع تنفيذي له والالتفاف حول ثوابت مشتركة وإجراء مصالحة مقبولة بين الثالوث الثوري الذي يضمّ الرأي العام السوري والجناح العسكري والسياسي للثورة السورية، الأمر الذي أرّق بدوره رهان الدول المرتزقة على فشل الهيئة ووقوعها في فخ الاستنزاف الداخلي الذي وقعت فيه أغلب الكيانات السياسية والعسكرية للحراك الثوري السوري.
وما زاد قلق الدول المرتزقة والمؤيدة لدعم الصراع واستئصال الثورة هو نجاح الهيئة العليا للمفاوضات بكسب ثقة العديد من الدول المؤثرة وبناء علاقات سياسية متينة معها على كافة المستويات السياسية وأعلاها، ولا شكّ أنّ اختيار الهيئة للرئيس الوزراء السابق د. رياض حجاب في قيادة العمل كانت خطوة احترافية وموفقة وساعد لحدّ كبير في إعطاء الهيئة زخماً سياسياً كبيراً في المحافل الدولية، بل واعتبرت هذه الخطوة لحظة ميلاد الانتقال الحقيقي بالعمل الثوري من إطار العفوية إلى العمل المنظّم والسياسي والدبلوماسي والحضور المؤثّر في المحافل الدولية والتي كان آخرها سلسلة الاجتماعات عالية المستوى على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك الشهر المنصرم.
إنّ نجاح الهيئة بقيادة رياض حجاب في مصالحة الثالوث الثوري لحدّ ما، كان سبباً كافياً لعزم الدول المتضررة والمؤثرة بالملف السوري، للدفع نحو تغيير هذا الذراع الرافض للالتفاف والغدر بمصالح الثورة مقابل امتيازات شخصية يمكنه الحصول عليها. ما يعني أنّ الدول المؤثرة لا تريد للرأي العام السوري اختيار قياداته وصناعة قراره السياسي، لذا تسعى جاهدة ليكون مؤتمر الرياض٢ منصة لصناعة جسم سياسي ينفذ القرارات التي تجتمع عليها الدول الكبرى في أزقتها المغلقة، في حين تريد الهيئة الحالية أن تشكل ثوابت الثورة المعيار الرئيس في اختيار الذراع المنفذ بناءً على التزامه بالثوابت وليس لشخصه وعلاقاته واتصالاته مع الخارج، لأنّ اختيار الذراع بناء على الثوابت يضمن عدم استئصال إرادة السوريين والالتفاف عليها، أمّا شخوص الهيئة في حال الاتفاق والالتزام بالثوابت فهي تحصيل حاصل.
فالسر في نجاح الهيئة العليا للمفاوضات الحالية بكسب ثقة الثالوث السوري يكمن في أنّها استطاعت أن تكون سفيراً لهذا الثالوث بالمحافل السياسية، في حين كان هذا السرّ ذاته فيما يبدو هو سبب رفض الدول الداعمة للأسد بقبول الهيئة الحالية كقائد يسوس المرحلة، لأنّه باختصار يراد لها أن تكون سفيراً للمحافل السياسية الدولية عند السوريين وليس العكس، وهذا ما تعتبره الهيئة خيانة وحقّ لا تمتلكه، فهل ينجح المجتمع الدولي في ترويض إرادة السوريين في الرياض ٢ أم أنّ الثالوث السوري بقيادة الهيئة سينتزع حقه ويصرّ على ثوابته؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
إعلان